النصوص اليهودية المقدسة
تكمن أهمية النصوص المقدسة لليهودية بتجاوزها للمغزى الديني لها
بكثير.إذ ان ما تحويه هذه الوثائق القديمة في طياتها لا يقتصر على تعاليم الدين
اليهودي فحسب, بل يشمل كذلك التراث التاريخي والثقافي والاجتماعي للشعب اليهودي.
وترى مختلف الفئات في اسرائيل في النصوص المقدسة معاني متباينة. فالفئات المغالية
في التديّن تعتبر هذه النصوص دليلا روحيا وأخلاقيا وعمليا في الحياة اليومية, في
حين تعتبرها الفئات العلمانيه ذخرا تاريخيا وحضاريا يمكن ان تجري بشأنه ابحاث
ودراسات نقدية.
وتحتل القصص والافكار والمبادئ الفلسفية الكامنة في النصوص
المقدسة والتي تمتد على آلاف السنين من الفكر والدراسة مكانا بارزا في الجزء الاكبر
من الثقافة الاسرائيلية الحديثة, التي تستمد الكثير من مضامينها من التراث الحضاري
القديم, وان كانت تعبّر في نفس الوقت عن مواضيع وقضايا
الحاضر.
التوراة
التوراة هي أساس كافة النصوص اليهودية
المقدسة. وتشمل التوراة – بالمفهوم الاساسي المحض – الاسفار الخمسة لسيّدنا موسى
عليه السلام, التي تسرد قصة الخليقة, وميثاق الله مع سيّدنا ابراهيم وذريّته, وقصة
الخروج من مصر, والتجلّي على جبل سيناء (حيث انزل الله الوصايا العشر), وتجوال بني
اسرائيل في الصحراء قبل دخولهم الى الارض المقدسة بوقت قصير.
إن الرسالة
الرئيسية للتوراة هي وحدانية الله المطلقة, خلقه للعالم وسهره عليه, ميثاقه الخالد
مع شعب اسرائيل. وتشمل التوراة تراث الشعب اليهودي, اذ انها تعيد سرد تاريخه, وتحدد
التعاليم الا ساسية التي ترشده, وتتنبأ بمصيره. وتحمل التوراة في نفس الوقت رسائل
عالمية تتعلق بوحدانية الله وبالسلوك الاجتماعي, كانت لها تأثيرات عظيمة على
الحضارة الغربية. لذلك, فان التوراة هي مصدر لبعض التقاليد التي لا تقتصر على
اليهود, مثل اعتبار يوم السبت يوم راحة.
تعني كلمة توراة "التعليم" ايضا.
وتستعمل الاسفار الخمسة كلمة توراة بمعنى مجموعة معينة من التشريعات؛ وبهذا
الاستعمال يكون معناها "قانون", وكثيرا ما تترجم على هذا النحو.
وتُعتبر
التوراة بموجب تعاليم اليهودية – كما اعتُبرت على مرّ القرون – نصّا منزّلا من عند
الله. من جهة اخرى, يعتقد الكثير من الدارسين والمفكرين اليهود المحدثين بان
التوراة هي نصوص وضعها عدد من المؤلفين وجمعّت بالتدريج على مرّ فترة طويلة, أي
انهم يعتقدون بان التوراة بلورت التاريخ اليهودي, وانها تشكل حصيلة هذا التاريخ
ايضا.
الكتاب المقدس
يعرف الكتاب المقدس (العهد القديم)
بالعبرية بال-"تاناخ", وتتكوّن الكلمة من الحروف الاولى لمجموعات الكتب الثلاثة
التي يشملها الكتاب المقدس: الاسفار الخمسة (توراة), الانبياء (نفيئيم) والكتب
المدوّنة (كتوفيم). ويشمل الكتابان الاخيران تسعة عشر سفرا, معظمها بالعبرية. ومع
ذلك فان اجزاء كبيرة من ال-"كتوفيم" وردت بالآرامية, وقد تم تأليفها خلال مئات
السنين – منذ الفترة التي سبقت دخول بني اسرائيل لارض اسرائيل (القرن ال-١٣ ق. م.
)
وحتى بعد عودة اليهود من بابل الى مملكة يهودا واورشليم (القرن ال-٦ ق. م.
)
تشمل اسفار الانبياء نصوصا تاريخية تمتد على طول الفترة الواقعة بين توطّن
الشعب اليهودي في ارض اسرائيل وطرده الى بابل, كما تشمل العظات الاخلاقية والدينية
للانبياء (بينهم ارميا, اشعيا وحزقيال). وتنطوي هذه النصوص على قطع شعرية دينية
وعادية, وقطع من أدب الحكمة والكتابات التاريخية.
وال – "تاناخ" هو مجموعة
القوانين اليهودية, التي تمت بلورتها بصورتها النهائية في الفترة الواقعة بين السبي
الى بابل والقرن الاول الميلادي. ولم يشمل الحاخامون الذين شاركوا في تحديد المضمون
النهائي للكتاب المقدس بعض النصوص التي تُعرف بالكتب الخارجية, اي غير المُدرجة في
الكتاب المقدس
(apocrypha) ,
اذ لم يعتبروها ذات ايحاء الهي. ويختلف الكتاب المقدس
اليهودي (العهد القديم) عن الكتاب المقدس المسيحي (الانجيل) بانه لا يشمل العهد
الجديد, كما ان هناك اختلافا طفيفا في ترتيب تقديم الانبياء. وتم تحديد العلامات
الصوتية المميّزة (لتبيين النطق والانشاد) في القرن العاشر.
يستعمل
الناسخون لنصوص الكتاب المقدس, التي تستعمل لاغراض الطقوس الدينية في الكُنُس,
ادوات عتيقة (الرقّ والريشة) ويحرصون أشد الحرص على عدم ادخال اي تغيير على النصوص.
واكثر المخطوطات قدما المعروفة لدينا هي مخطوطات البحر الميت, التي كُتبت قبل العصر
الميلادي بقليل, وهي مطابقة تماما للنصوص التي يتم نسخها في ايامنا هذه.
وقد حظي الكتاب المقدس بأكبر عدد من الترجمات في العالم. فقد تُرجم بأكمله
الى اكثر من مائتي لغة, في حين تُرجمت اسفار معينة منه الى حوالي الف لغة لتقرأها
شعوب مختلفة. وكانت اول ترجمة للكتاب المقدس "الترجمة السبعينية" في بداية القرن
الثالث ق. م. , وهي ترجمة الى اليونانية قام بها ٧٢ عالما يهوديا في ٧٢ يوما,
ليستخدمها اليهود في مصر القديمة.
ومع ان احدا لا يدخل اي تعديل او تغيير
على نصوص الكتاب المقدس لكونها نصوصا دينية, فقد نشأ في القرن التاسع عشر فرع
اكاديمي جديد يُدعى الدراسة النقدية للكتاب المقدس, ينتهج نهجا تاريخيا نقديا.
وانتج الدارسون في هذا المجال كمية هائلة من الدراسات والتحليلات.
تفاسير الكتاب المقدس
ظهرت في اعقاب التوراة تفاسير
عديدة, تُعدُّ ضمن النصوص اليهودية المقدسة. وتعود التفسيرات اليهودية الاولى الى
القرن الثاني ق. م. , حين حلّت الآرامية محل العبرية كلغة متداولة. ومع ان هذه
التفاسير تُعرف باسم "تارجوميم" (ترجمات), فانها تحمل صبغة تفسيرية وتشتمل على
مقطوعات من التفسير ومن الاساطير. وتوجد تفاسير (تارجوميم) لجميع اسفار التوراة,
فيما عدا تلك التي تم تدوين الجزء الاكبر منها بالآرامية.
انتقلت تفاسير
الحاخامين من عصر التلمود (انظر فيما يلي) الى يومنا هذا. وكانت الغاية منها, في
كثير من الاحيان, تسهيل استيعاب نصوص الكتاب المقدس والتفاسير المتعلقة به للجمهور
في القرون الوسطى, وبعد ذلك في العصر الحديث أيضاً. وتتناول التفسيرات نواحي مختلفة
تتراوح بين النص الحرفي والمعنى الباطني, كما انها تعلق اهمية بالغة على كافة
التفاصيل المتعلقة بالنص المقدس سواء كان ذلك حذفا او ظاهرة نحوية غريبة, او "خطأ
في الكتابة", او حتى ظهور حرف ذي حجم مختلف. وقد تتولد عن مثل هذه الامور كميات
كبيرة من التفسيرات. ويعتبر الحاخام سليمان بن يتسحاق المعروف ب – "راشي" (١٠٤٠-
١١٠٥)
اشهر المفسّرين للكتاب المقدس؛ وقد حاول ايجاد توازن بين التفسير الحرفي للنص
والمواعظ الاخلاقية التقليدية للحاخامين.
التوراة
الشفاهية
المشنا
التوراة الشفاهية هي تفسير تحليلي
للتوراة المُدوّنة. وتفيد التقاليد الموروثة ان التوراة الشفاهية أنزلت على سيّدنا
موسى في جبل سيناء, ثم نُقلت أبا عن جدّ بواسطة خيرة القوم والزعماء الدينيين. مع
بدء القرن الثاني ق. م. , وخاصة بعد تدمير الهيكل المقدّس الثاني (عام ٧٠ ميلادي),
اخذت تقاليد وتفاسير مختلفة تنتشر بين الناس, فبادرت الزعامة الدينية الى تصنيف
التفاسير وتحريرها. وأسفرت هذه المبادرة عن مؤلَّف قام بتحريره وتنظيمه الحاخام
يهودا هاناسي (في القرن الثاني للميلاد), وسُمّي المشنا, وهي كلمة تعني "التكرار"
او "التعليم". والحكماء الذين ترد تعاليمهم في المشنا يُعرفون باسم "تنائيم".
واستمر عصر التنائيم, الذي تم خلاله جمع مواد المشنا, منذ تدمير الهيكل المقدس
الثاني حتى بداية القرن الثالث للميلاد.
وتنقسم المشنا الى ستة ابواب, يضم
كل باب منها فصولا, يقدر عددها عادة ب – ٦٣ فصلا. ويشمل كل فصل عدة فصول ثانوية,
تنقسم بدورها الى عدد متباين من التعاليم, يُعرف كل منها ايضا باسم مشنا (جمع:
مشنايوت).
هناك مواد اخرى من تلك الفترة لم تُدرج في المشنا, ولكنها توجد
ضمن التوسفتا او في التعاليم الاضافية المعروفة باسم برايتوت, والواقعة ضمن مجموعتي
التلمود (انظر فيما يلي). وتكاد كتابة المشنا والمادة الاضافية تقتصر على اللغة
العبرية. وتُعتبر المشنا كذلك مصدرا هاما فيما يتعلق بطقوس الهيكل المقدس والعادات
والتقاليد التي كانت متبعة في تلك الفترة.
التلمود
حين ظهرت
المشنا, قامت مجموعة من الحاخامين عُرفوا بالأمورائيم (بين القرنين الثالث والسادس
للميلاد) بمناقشة هذا المؤلَّف, والزيادة عليه, وادخال التعديلات والتوفيق بين امور
كانت تبدو كأنها متناقضة. وكانت حصيلة هذا الاجتهاد الجمارا. وتشكل الجمارا والمشنا
معا التلمود (جمع: تلموديم) – وتعني هذه الكلمة: الدراسة.
في الواقع يوجد
تلمودان: التلمود الاورشليمي (تم جمعه في ارض اسرائيل) والتلمود البابلي. ويشمل
التلمود البابلي ٣٧ من مجموع ال-٦٣ بابا القائمة عاديا, كما ترد فيه العديد من
المؤلفات المتأخرة؛ وهو يشمل ٥,٢ مليون كلمة في ٨٩٤,٤ صفحة. اما التلمود الاورشليمي
فانه يختلف في مبناه, وهو اقصر من التلمود البابلي, بالغ الايجاز, وقد يكون مُلغزا
احيانا, ويتركز في الامور القانونية. فيالمقابل يحوي التلمود البابلي, كمية اكبر من
مواعظ الكتاب المقدس وتفسيراته, ومن الاسهل مواكبة مناقشاته.
تلتزم الجمارا
عادة بمبنى المشنا, ولكنها تتفرع بالاستطراد وتداعي الافكار الى شؤون اخرى, وهكذا
يتكوّن مزيج من الملاحظات ذات الطابع الحرّ – قد تكون في القانون او الاخلاق او في
طرائف مختلفة.
وجاءت صياغة جزء كبير من التلمود بالآرامية, خلافا للمشنا.
ونظرا للطابع الخاص للتلمود وكونه القاعدة للافتاءات الدينية التي ينطبق الكثير
منها على الحياة اليومية, فان التفاسير بشأن هذا المؤلف وافرة وغزيرة.
ويتسم الاسلوب المتبع في التلمود بطابع المحادثة او باسلوب الحذف, على غرار
"ملاحظات
للمحاضرة". وقد تكون لنصوص التلمود – خلافا لنصوص الكتاب المقدس – أوجه
مختلفة للقراءة, كما تكثُر فيها اخطاء الناسخين, والاقتباسات غير الصحيحة,
والتعابير المنمّقة التي تهدف احيانا الى التملص من رقابة متربّصة.
ويحوي
كل من التلمود الاورشليمي والتلمود البابلي – اضافة الى الهدف الديني الاساسي
–
معلومات هامة عن الاحداث, والعادات واللغة في ذلك العصر. لذلك, فقد كانا موضع دراسة
مفصّلة وعميقة من جانب دارسين محدثين في التاريخ وعلم الديانات وعلم اللغات.
بدأت عملية التنظيم المنهجي للتلمود قبل ان يظهر في صيغته النهائية، في
بداية القرن السادس الميلادي بعدة اجيال. وتعود اقدم المخطوطات القائمة اليوم من
التلمود الى القرن التاسع. واصدر دانيال بومبرج, وهو مسيحي, اول تلمود كامل مطبوع
بين عامي
١٥٢٠–
١٥٢٣.
وابتكرت دار نشره شكلا هيكليا للتلمود ظل قائما حتى الآن دون
ان يطرأ عليه اي تغيير, بما في ذلك ترتيب الصفحات والنموذج الطباعي للتفاسير
الرئيسية.
وقد تراكمت الى جانب المشنا والتلمود مجموعة من النصوص المخصصة
لتفسير الكتاب المقدس والمعروفة باسم ميدراش (جمع: ميدراشم). وتحوي اقدم نصوص
الميدراش نصوصا تفسيرية للحكماء من عصر التنائيم. وتخوض هذه النصوص في الهلاخا
(الفتاوى
الشرعية) والاجادا (الاساطير).
اقتصر تفسير التوراة في عصر
الامورائيم على الشؤون المتعلقة بالاساطير (اجادا). واهمّ مجموعة لتفسيرات
الامورائيم هي ميدراش رابا, وتأتي فصوله حسب ترتيب اسفار الكتاب المقدس, وتحوي
تفسيرات حسب السطور (مثلا-بريشيت رابا-عن الخليقة) وتفسيرات اوسع تتميز بالطابع
الوعظي (مثلا-فايكرا رابا-عن اللاويين).
تفاسير التوراة
الشفاهية
ما ان اكتمل اعداد المشنا, حتى تبيّنت الحاجة الى "تفسير" لها,
فجاءت الجمارا. فيما بعد, حين ظهر التلمود في صيغته النهائية, اتضح ان هناك حاجة
لشرح له. وتبلورت التفاسير المنظمة الاولى للتلمود (وهي تختلف عن الملاحظات
المحدودة) في القرن العاشر. ويُعتبر تفسير راشي (الحاخام سليمان بن يتسحاق), من
القرن الحادي عشر, اكثر المؤلفات من نوعه انتشارا وأعظمها تأثيرا.
كتب
الحاخام موسى بن ميمون (١١٣٥–١٢٠٤) اول تفسير شامل للمشنا بكاملها, وهو مُؤلَّف
بالعربية تُرجم الى العبرية في اواخر القرن الثالث عشر.
وتفاسير التلمود,
بما فيه المشنا, ضافية الى حد انها تُطبع بحروف صغيرة للغاية, فتحتل نصف – ان لم
يكن جل – الصفحات في مجلد عادي للتلمود. وفي صفحة عادية للتلمود, يكون النص قصيراً
محاطا بتفسيرين: تفسير راشي, وتفسير التوسافوت –وهو حصيلة مجهود الحاخامين في
الفترة بين القرنين ال–١٢ وال– ١٤. ويشير هؤلاء الى مواضع اخرى في التلمود لايضاح
امور يبدو ان فيها التباسا. وفي هوامش الصفحة, تحيط بالتفاسير المذكورة تصحيحات
للنصوص, واشارات الى نصوص من الكتاب المقدس, وملاحظات تخصصية مختلفة.
الكتابات المتعلقة بالهلاخا (اي بالشرع)
لا تشكل المشنا –
ولا التلمود – مجموعة قوانين. ونظرا الى ان الزعامة الدينية والجمهور العادي كانا
معنيين بمثل هذه المجموعة – للاغراض الدينية ولادارة الطوائف المستقلة – فقد قامت
الزعامة الدينية في فترة ما بعد التلمود بتطوير نوع من "التحكيم", سار في مسارين:
الاسئلة والاجوبة؛ ووضع مجموعة الفتاوى الرسمية. ويستهدف كل من المسارين ادخال
تحسينات على التلمود وصياغته في فتاوى واضحة في مجال السلوك الديني والمدني, تكون
مصحوبة برسائل ذات صفة روحية واخلاقية.
الاسئلة
والاجوبة
الاسئلة والاجوبة هي بالنسبة لليهود "القانون غير المكتوب"
(common law).
وتعود نشأتها الى اسئلة وجّهها اشخاص عاديون الى الحاخامين في فترة
التلمود. مع حلول القرن العاشر الميلادي, ومع نموّ الطوائف اليهودية في اماكن
متفرقة من العالم, ازداد عدد الاسئلة والاجوبة حتى بلغ عشرات الآلاف. وظهرت اول
مجموعة مُدوّنة من الاسئلة والاجوبة في النصف الاول من القرن الثامن, الا ان
الحاخامين ذوي صلاحية البت لم يصدروا مثل هذه المجموعات في شكل كتاب, كما يفعل
الكثيرون الآن.
وزيادة على كون الاسئلة والاجوبة توفّر شرحا لتفاصيل السلوك
الشرعي والطقسي, فانها تلقي ضوءا كبيرا على التاريخ اليهودي. وكلما كان قانون من
قوانين الهلاخا يحظى بقبول واسع, اتسع المجال وزادت الحاجة لمزيد من الاسئلة
والاجوبة. وتم اصدار مجموعات من الاسئلة والاجوبة تتلاءم مع ظروف الحياة المتباينة,
وحتى لمواجهة الاوضاع في معسكرات الاعتقال النازية. وحظي بعض هذه المجموعات بدراسة
عميقة حتى اصبح المؤلف يُعرف باسم الكتاب الذي اصدره.
مجموعات
القوانين
مهما كانت مجموعات الاسئلة والاجوبة شاملة, فانها لا تشكل
بديلا لمجموعة قوانين ثابتة ومرجعية. وكانت الغاية من بلورة مجموعة قوانين تكوين
جهاز قانوني للاستعمال العادي, يكون له طابع حاسم وتمتد جذوره الى المصادر الاولية.
كانت اول مجموعة قوانين مُلزِمة ومرتبة حسب المواضيع, والمعروفة باسم "هالاخوت
بْسوكوت" (اي فتاوى) قد ظهرت في القرن الثامن.
ويُعتبر سيفر هاهالاخوت (كتاب
القوانين) الذي وضعه الحاخام يتسحاق بن يعقوب الفاسي (١٠١٣- ١١٠٣) من معالم الطريق
في هذا المجال. فقد تم ترتيبه في ٢٤ فصلا تلموديا, وهو يعالج القوانين التي كانت
مستعملة في ذلك العصر فقط – فهو يُخرج عن نطاق البحث, مثلا, الطقوس الخاصة
بالقرابين. بعد ذلك بفترة قصيرة صدر المؤلَّف القيّم للحاخام موسى بن ميمون
(هارامبام)
"مشنيه تورا". هذا الاسم في حدّ ذاته يشير الى تكرار التوراة الشفاهية,
وجاءت صياغته بالعبرية المميّزة للمشنا. وعنصر الابداع في مشنيه تورا يكمن في انه
يتطلع لان يكون قائما في حد ذاته. وكان هارامبام يعتقد بانه بعد ان يصبّ التلمود
كله في فتاوى حاسمة, لن يحتاج اليهود الى اي مؤلِّف سوى المشنيه تورا.
تعرّض
عمل موسى بن ميمون (هارامبام) لنقد شديد من بعض الاوساط بسبب ما اعتبروه تهوّرا من
جانبه. وخلال القرون التي تلت صدور مؤلَّفة, عكف الكثيرون من المهاجمين,
والمدافعين, والمعلقين الحياديين على فحص ومناقشة المصادر التي استند اليه في بعض
فتاواه, ولكنه لم يذكرها. هذه العملية في حدّ ذاتها فعلت فعلا معاكسا لما طمح اليه
هارامبام: ذلك ان الطوائف اليهودية عامة – باستثناء يهود اليمن – لم تتبنّ مجموعة
قوانينه على انها المصدر الوحيد لفتاوى الهالاخا.
ويعتبر الحاخام يوسيف
كارو (١٤٨٨–١٥٧٥) اعظم واضعي مجموعات القوانين في الفترة اللاحقة, فقد جمع بين
عناصر كتاب هارامبام وكتاب الفاسي, الى جانب مؤلَّف يضم اربعة اجزاء للحاخام يعقوب
بن أشير, فاصدر مجموعة قوانين جديدة عنوانها: شولحان عاروخ, (مائدة معدّة لتناول
الطعام). والشولحان عاروخ يتميّز باسلوب اكثر اقتضابا وهو اكثر شمولا حتى من مشنيه
تورا؛ وهو يستغني عن ذكر المصادر, كما يستغني عن الملاحظات الاخلاقية وتفاسير
القوانين. كذلك فانه يتجاهل العادات والفتاوى الخاصة باليهود الاشكناز. وبغية اصلاح
هذا النقص, وضع الحاخام موشيه ايسرلس, (عاش في بولندا -١٥٢٥, او ١٥٣٠–١٥٧٢), كتابا
اسماه "مفرش" لمائدة الحاخام كارو.
نتيجة لهذه الخطوة, ولتفسيرين صدرا في
القرن السابع عشر – ماجين ابراهام وطوريه زاهاف – اصبح الشولحان عاروخ الصلاحية
المُلزمة لجميع اليهود المتدينين تقريبا.
المذهب الباطني (او
التصوّف)
يهتم المذهب الباطني في اليهودية بشؤون تقتصر على فئات صغيرة,
وتتجاوز الكتابات المعتمدة على العنصر القانوني. وتُعتبر القابالا مجموع الدراسات
في اليهودية في هذا المجال, خاصة تلك التي ظهرت في القرن الثاني عشر, وبعده. (وكلمة
قابالا مصدرها "لقابيل", "לקבל"
بالعبرية – اي تلقّي" – ومعناها المعرفة التي تنتقل
بطريق التراث).
حين تستخدم بهذا المعني الاكثر شمولا, تعني كلمة قبالا المذهب
الباطني اليهودي في كليّته.
الكتابات القبالية ادت الى بلورة "ثيولوجيا
باطنية" يهودية, لها فروعها الثانوية ومصطلحاتها الخاصة بها. وهي تبحث عن الالوهية
في كل الاشياء, وتتقصّى اسرارها وتبحث في العلاقة بين ماهية الحياة الالهية والحياة
البشرية. ومن مجالات الدراسة الهامة في القبالا علم الملائكة وعلم الشياطين, اوصاف
الله واسماؤه الخفيّة, وعلم الآخرة (اي يوم القيامة).
اهم المؤلَّفات في
القبالا هو ال – زوهر ("تألق"), وهو مجموعة من الكتابات التي تشمل بيانات تفسيرية,
وعظات, ومناقشات انتقائية تُعتبر مقابلة لاجزاء التوراة التي تُقرأ وتُفسَّر كل
اسبوع, وللجزء الاول من نشيد الانشاد. وفي حين ترى التقاليد القبالية ان الزوهار
يعود الى الحاخام شمعون بار يوحاي وزملائه من فترة المشنا, فان الدارسين المحدثين
يعتقدون بانه تم تأليفه في القرن ال–١٣, وهي الفترة التي عُرف فيها. وهم يعتقدون
بان مؤلف الزوهر هو موسيه بن سيم طوف ده ليون الذي عاش في جوادالاخارا, الى الشمال
الشرقي من مدريد.
بعد مرور عدة اجيال على ظهور الزوهر, اسفر الامر عن
انطلاقة جديدة في تطور القبالا في اسبانيا, بما في ذلك انتشار التفاسير. حين طُرد
يهود اسبانيا (عام ١٤٩٢) تغلغلت في القبالا تيارات مرتبطة بمجيء المخلص وبيوم
القيامة, كما امتد تأثيرها الى ايطاليا, افريقيا الشمالية, تركيا وارض اسرائيل. من
هناك, انتشرت القبالا الى بولندا وليتوانيا, حيث كان لها تأثير على حركة "الحسيديم"
(المتّقين),
التي توصف احيانا بانها "القبالا التطبيقية".
لا تشجع الزعامة
الدينية الاشكنازية المعتدلة على دراسة كتابات المذهب الباطني, خاصة لدى الشباب,
وربما كذلك نتيجة لما ورد في التلمود من تفاسير بشأن القوة والخطر الكامنين في
التفكير القبالي. اما اليوم, فان القبالا هي موضوع للدراسة الأكاديمية الحديثة.
ويعود اكبر فضل في ذلك الى ابحاث البروفسور جرشوم شالوم, وهو صاحب شهرة عالمية في
القبالا.
كيف تستعمل النصوص اليهودية المقدسة
تنقسم
التوراة (الاسفار الخمسة) الى اربعة وخمسين "جزءا", تتم تلاوتها في الكنيس كل يوم
سبت على مدار السنة, اذ تبدأ هذه التلاوة وتنتهي بعد عيد رأس السنة العبرية بقليل.
وتتم تلاوة اجزاء من كتب الانبيا ونصوص اخرى من الكتاب المقدس في ايام السبت
والاعياد. ويستعمل قارئو هذه النصوص علامات الانشاد التي حُدّدت قبل الف عام في
انماط انشادية تتباين بين طائفة واخرى.
وتكون دراسة التلمود واسعة النطاق
في المعاهد الدينية (يشيفوت), كما يُدرس التلمود في الكُنُس وفي بيوت الخاصة – حيث
تعتبر هذه الدراسة احيانا نشاطا اجتماعيا – وفي الجامعات. وتوجد في معظم الجامعات
الآن اقسام للتلمود او لدراسة المؤلفات الدينية اليهودية. وظهرت في القرن العشرين
فكرة, يقوم بموجبها اناس عاديون بدراسة صفحة من التلمود كل يوم, وهكذا يفرغون من
دراسته خلال سبع سنوات تقريبا.
وتحتفظ معظم الكنس بمكتبات فيها العديد من
النصوص المقدسة القيّمة, ومجموعات من الكتب الدينية.
نصوص مقدسة في
البيت اليهودي
توجد في كثير من البيوت اليهودية نصوص وكتب مقدسة على
رفوف المكتبة. فكتاب التاناخ (التوراة, الانبياء, الكتب المدوّنة), ومعه كتاب
تفسير, قد يكون موجودا لدى معظم العائلات العلمانية (كثيرا ما يُقدّم التاناخ كهدية
في المناسبات مثل انهاء الدراسة او انهاء فترة التدريب في الجيش). وفي كثير من
العائلات المتديّنة (وغير المتدينة ايضا) كثيرا ما توجد - الى جانب الكتب الاساسية-
كتب اضافية مثل كتب التاناخ مصحوبة بتفاسير اضافية, والمشنا (مصحوبة بتفاسير
اساسية), والتلمود (وكتب تفاسير ضخمة), الشولحان عاروخ وغيره من مجموعات القوانين
والفتاوى والكتب الخاصة بالفرائض الدينية. الى جانب هذه الكتب, توجد في معظم البيوت
كتب في مواضيع قريبة من الدراسات الدينية - مثل كتب الفلسفة, الاخلاقيات, والاحداث
العادية - وكذلك مؤلفات تتمشى مع الانتماء الخاص للعائلة (حاسيدي, سفارادي,
اشكنازي). ويحتفظ الحاخامون بمجموعات شاملة من التفاسير التلمودية, وكتب الاسئلة
والاجوبة ومجموعات القوانين والفتاوى.
اما كتب الصلاة فهي متواجدة في كل
بيت يهودي تقريبا. والسيدور (ج: سيدوريم), وهو كتاب الصلاة اليومية وصلاة السبت,
يعكس تطورا يمتد على اكثر من الف عام, كانت الصلوات قبله تعتبر جزءا من تراث شفاهي
وتتم تلاوتها عن ظهر قلب. ومع ان تحويل الصلوات الى نصوص مدوّنة بدأ في نهاية عهد
التلمود, فان اول سيدور حقيقي, وهو سيدر الحاخام عمرام جاؤون, الذي تم تاليفه بناء
على طلب يهود اسبانيا, يعود الى القرن التاسع. في البداية كان يقتصر استعماله على
يوم الغفران (يوم كيبور) واعياد اخرى, ولكنه اكتسب مع مرور الوقت اقبالا واسعا, حتى
ان التعليم الديني في ايامنا هذه لم يعد يشجع على تلاوة الصلاة عن ظهر قلب. في بعض
السيدوريم توجد نصوص للطُقس الاحتفالية, وارشاجات من الهالاخا تتعلق بالطقوس
الدينية, وكذلك تفاسير بشان نصوص الصلوات. وهناك صيغ مختلفة للطقوس الدينية, وفقا
للطوائف المتباينة (اليهود الاشكناز, والحاسيديم, والسفاراديم, واليمنيين). وفي بعض
كتب الصلاة, اضيفت صلاة خاصة ليوم استقلال اسرائيل, ادخلتها ادارة الحاخامية الكبرى
لاسرائيل.
ومن النصوص الدينية المقدسة التي لا يكاد يخلو منها بيت يهودي
-
الهاجادا (قصة عيد الفصح) ونشيد ليوم السبت (تصحبه عادة صلاة الشكر بعد وجبات
الطعام).
ونظرا الى ان مضمون هذه الكتابات يجعلها مقدسة, فانها حين تصبح
بالية, توضع في جنيزا (مخزن او ارشيف), وبعد ذلك يتم دفنها في طقوس
خاصة.
العصر الحديث والنصوص المقدسة
في اعقاب تبلور مجتمع
يتكلم العبرية في اسرائيل, يشمل الملايين من الناس, اصبحت النصوص اليهودية المقدسة
في متناول اليد, وظهرت كمية كبيرة من المؤلَّفات الجديدة باللغة المتداولة الحديثة.
ومن اهم هذه المؤلَّفات تفسير الحاخام عدين شتاينزالتس للتلمود (البابلي والمقدسي)
وتفسير الحاخام بنحاس كيهاتي للمشنا. ومن بين المواضيع التي تتناولها الكتب
والتحاليل والمجلات والنشرات المتخصصة في الشؤون الدينية في العصر الحديث – الحياة
في دولة يهودية, ووجود جيش لهذه الدولة, والعلاقات مع ابناء الديانات الاخرى,
والتجارة الدولية, والزراعة الحديثة, ومعالجة موضوع الاغذية, وغير ذلك.
ولعبت النصوص اليهودية دورا هاما في احياء الثقافة العبرية في اسرائيل.
فدراسة الكتاب المقدس هي الآن جزء من برنامج الدراسة لجميع تلامذة المدارس,
العلمانيين والمتدينين على حد سواء (وان كانت هذه البرامج تُعدّ بحيث تتلاءم مع
النهج التربوي ومجالات الاهتمام الخاصة). وتعرض الجامعات امكانيات متنوعة لدراسة
هذه النصوص في اطار مناهج متشابكة. ويتجلى تاثير النصوص اليهودية المقدسة في الادب
والفن الاسرائيلي الحديثين, اذ يتم صبّ القصص والمفاهيم والصور القديمة في صيغ
ادبية وفنية جديدة. ومن ابرز المبدعين في الادب العبري الحديث الشاعر القومي حاييم
نحمان بياليك, والاديب الحائز على جائزة نوبل للآداب, ش. ي. عجنون – وقد استقى كل
منهما من المصادر التوراتية في ابداعه الذي حظي باعجاب عالمي.
ولم تبق
النصوص اليهودية المقدسة في منأي عن تاثير ثورة الحاسوب. وفي جامعة بار-ايلان
الدينية في رامات جان, تم قبل حوالي اربعين عاما جمع معطيات اساسية
(data base)
بشان مجموعات الاسئلة والاجوبة. وفي الآونة الاخيرة, قامت جهات خاصة بالمبادرة الى
انشاء "برامج حاسوب في التوراة", الى جانب منتجات مثل التلمود على سي دي-روم
(CD ROM).
واصبح الكثير من الارشادات والنصوص الدينية, مثل الجزء من التوراة الذي يُدرس
كل اسبوع بالتناوب, والنصائح بشان الالتزام بالفرائض الخاصة بالطعام, من الامور
التي يمكن العثور عليها في شبكة الانترنيت. وتتواصل الجهود في اسرائيل الآن لدراسة
النصوص اليهودية المقدسة وملاءمتها لظروف الحياة الحديثة.
*أخذت المعلومات من كراس لوزارة الخارجية صدرت أيار ١٩٩٨. (15/05/2002)
كل الحقوق محفوظة ل"يديعوت إنترنت"
من نحن | اتصل بنا | الحفاظ على الخصوصية | شروط الاستخدام | للمساعدة |