Cuma, 1 Rebiülahir 1446

Kadının Araba Kullanması

قِيادَةُ المرأَةِ للسَّيارة

بين

الحقِّ والبَاطِل

 

راجعه وقرظه

الشيخ العلامة / عبد الله الجبرين

راجعه

الشيخ العلامة / صالح الفوزان     

الشيخ العلامة / سفر الحوالي

 

 

تأليف

ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي

 

 

 

 

” تقـريــظ “

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

    الحمد لله وحده، وصلَّى الله وسلم على محمد، وأله، وصحبه .

    وبعد : فقد قرأتُ هذه الرسالة في موضوع قيادة المرأة للسيارة، وبيان ما يترتب على ذلك من الآثار السيئة، والمفاسد الكبيرة، وفي مناقشةِ شبه الدعاة إلى قيادتها، والردِّ عليهم .

    وقد كفى الكاتبُ، وشفى، وأقنع بما كتبه طالبَ الحقِّ، والصوابِ، وبيَّن أنَّ الدعاةَ إلى خروج المرأة وقيادتها لهم أهداف سيئة، ومقاصد ممحوقة، وأنه اختصر في الردِّ؛ ولو توسَّع لكان المقام يستدعي التطويل، وقد أتى بما فيه الكفاية لمن أراد الله به خيراً .

    فجزاه الله أحسن الجزاء، وأثابه على ما عمله، ونسأل الله – تعالى – أن يهدي ضال المسلمين، وأن يَمُنَّ على النساء المؤمنات بالستر، والحياء، والعفاف، والله أعلم وصلى الله على محمد، وآله، وصحبه، وسلم .

( 5 / 4 / 1420هـ )

عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

        إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

      { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } آل عمران : 102

      { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } النساء : 1

     { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } الأحزاب : 70-71.

       أما بعدُ : فإن أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .

    اعلم أخي المسلم أن الناظر في حال الأمة الإسلامية – لا سيما هذه الأيام – ليعلم أن الأمرَ جدُّ خطير، بل اخالك إذا عاينت تلكم اللحظات الحرجة، والظروف العصيبة التي تعيشها الأمة؛ لتحزن كلَّ الحزن ! .

    ولولا إيمانُنا بأنَّ الحقَّ قادمٌ وأهلَه منتصرون، والباطلَ زاهقٌ وأهلَه مغلوبون؛ لاستولى اليأسُ على قلبِ كلِّ مسلم ـ عياذاً بالله ـ فالحمدُ لله أولاً وأخراً .

وفي خضمِّ هذه النكبات والجهالات التي لم يزل المسلمون بعدُ يتجرعون غصصها؛ إذ بالصحف تطالعنا، والأخبار توافينا بفاجعة أليمة، وقاصمة وخيمة أقضت نوم الصالحين، وأزعجت المسلمين بنارها وشرارها، حيث خرج علينا بعض المثقفين : بثقافات باردة، وأراء فاسدة؛ وذلك في إثارة بعض القضايا التي كنَّا ـ جميعاً ـ في غنىً وسلامةٍ منها !! .

       فإن الناظر البصير، والقارئ الكريم ليستغرب من هذا النداء الهائل، والكم الكبير من التساؤلات، والآراء التي لم تزل تتفجر وتقذف بزبدها حول قضية أحسبها ساخنة وهي قضية : ( قيادة المرأة للسيارة )! 

    فأقول : لا شك أن قضية ( قيادة المرأة للسيارة )، من القضايا العصرية الحاسمة المصيرية، حيث فجرت حولها مجموعة من الأسئلة، والشبهات؛ ومنه اختلفت عندها الآراء، وتباينت فيها الأقوال، وانساق الناس نحوها وُحداناً وزرافات، وتنازعوا حولها وكلٌّ بحسب مشاربِه ونحلِه، فكانوا عندها طرفين ووسطاً؛ كما ظهر لي عند التحقيق، لذا أردت أن أقف مع هذه الأقوال بشيء من الاختصار، وإلاَّ فالموضوع يحتاج إلى كراريسَ وطولِ بحث؛ ولكن حسبي أن في هذا الطرح الوجيز كفاية  ـ إن شاء الله ـ .

    وقد نظمتُ هذه الرسالة في بابين، وتحت كل بابٍ فصلان : ـ

الباب الأول : رفقاً بالقوارير .

      الفصل الأول : عصر العشرين .

      الفصل الثاني : الأطراف الثلاثة .

الباب الثاني : كشوف، وزيوف .

    الفصل الأول : الأدلة الشرعية، والقواعد الفقهية الدالة على حرمة قيادة المرأة للسيارة .

    الفصل الثاني : كشف الشبه التي اعتمد عليها المبيحون لقيادة المرأة السيارة. 

وفي الختام أشكر الله تعالى أولاً وأخراً، وكل من أعان على إخراج هذه الرسالة، أو أسدى لي رأياً، أو نصحاً، آمين، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين .

تأليف

ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي

الطائف / ص . ب ( 1979 ) .

 

( الباب الأول )

رفقاً بالقوارير

 

الفصل الأول : عَصرُ العشرين .

الفصل الثاني : الأطراف الثلاثة .

 

  

   لا يخفى الجميع ما أُصيب به الإسلامُ والمسلمون، من الشرور والفتن ، والدواهي والمِحَن، التي لم تزل تحدق بالأمة الإسلامية من كل جانب ومجانب، فهذه الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع بعضها بعضاً، وليس هذا بالعجيب فالكلُّ يركض في دبر الزمان !، فالساعات إذاً حرجة، واللحظات عصيبة ! .

    فهذه الشهوات والمحرمات قد ضاقت بها الأرض، وهذه القنوات الفضائية بجميع أشكالها وأسمائها بعد أن عثت في الأرض فساداً؛ نجدها لم تبرح أن عانقت السماء بسمومها؛ حيث لوَّثت الهواء ببثها المنتن، وبرامجها البهيمية؛ حتى أنك لتقول إن البشرية بأسرها ـ مسلمها وكافرها ـ لم تصل في يوم من الأيام إلى مثل ما وصلت إليه اليوم؛ وهو كذلك ! .

    فليت الأمر وصل بهم إلى هذا الحال الرديء، بل من كذبِهم وتَيْهِهِم لم يزل بعض أهل هذا العصر يتشدقون بأنهم : أهل الحضارة العصرية، والتقدم الآلي ـ التكنالوجي ـ التي لم تصل إليها أمة من الأمم التي مضت !، زيادةً في الإضلال والضلال، والغي والفساد .

    أقول : نعم والله لم تصل أمة من الأمم إلى ما وصلت إليه هذه الحضارة العصرية!، لكنها في الحقيقة حضارةٌ آلية محضة؛ لا علاقة لها بالإنسان العصري، بل حضارة جوفاء من القيم الإنسانية، والآداب البشرية، و الرحمة الأخوية، والعلاقات الأسرية، والواقع أكبر دليل لا ينكره إلاَّ مكابر أو جاهل !، والله المستعان .

    فلا تذهب أخي القاري بعيداً فلك حقُّ النظر يمنةً أو يسرةً في هذا العالم العصري ـ زعماً ـ حتى ترى بأم عينيك حقيقة ما أقول : فدونك تلك البلاد التي حُرمت الإسلام، ولم يشع فيها نور الإيمان، أو لم تحكم شريعة الرحمن، حيث أظلمت بها الشهوات، وماجت بها الأهواء، وضاقت بها الأرض والسماء ذرعاً ! . 

    فهذا الشذوذ الجنسي بجميع معانيه الدنيئة منتشرٌ في نواحيها؛ حتى غدت الرذيلة عندهم فضيلة، والمنكر معروفاً؛ لذا تجد فيهم الرجل الكبير، أو الرئيس الخبير يتبجح بارتكاب الخنا، والزنا، والكذب، والنفاق دون غضاضة، فقلي بربك : أين عقولُهم أو حتى فطرهم ؟! .

    نعم قد أعمى الله بصائرهم، وأنساهم أنفسهم، كما قال الله تعالى : { ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون } الحشر19 .

    وكذا ـ أيضاً ـ نجدهم في عالمهم العصري ـ زعماً ـ أرباب الظلم الإنساني، وسدنة التثعلب السياسي، وعباقرة التخلف الفكري، و أنصار العلاقات الأنانية، و أعوان الاستبداد البشري، وأقطاب التَّلوُّن الدولي …!

    وهذا كافٍ لكل ذي بصرٍ وبصيرة، وعاقلٍ مسترشد، أن يوقنَ ويعلم أن القومَ يعيشون كالبهائم بل هم أضل سبيلا كما قال الله تعالى : { أم تحسبُ أنَّ أكثرَهم يسمعون أو يعقلون، إن هم إلاَّ كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلا } الفرقان 44 .

    وبعد هذه الوقفة القصيرة مع العالم العصري الأجوف، والحضارة المزعومة؛ إذ بنا نجد بعض أبناء جلدتنا ممن يتكلمون بألستنا، ويستظلون تحت رايتها في ظل هذه البلاد الإسلامية، التي هي مهبط الإيمان، وأرض التوحيد ؛ نجدهم منساقين إلى هذه الظلمات دون بصيرة، كأنهم إلى نصبٍ يوفضون !، متساقطين في أحضان الغرب دون روية، لاهثين وراء كل ناعق؛ ظنَّاً منهم أن حياة الكفار هي رأس الحضارة، وعاداتهم أساس التقدم، وأفكارهم مصدر الاستنارة … !، دون البحث والتنقيب، وجودة الاختيار إلى ما هو عندهم مفيد لنا أو مسيء، أو حلال أو حرام، بل غاية مطلبهم التقليد، والمحاكاة في جميع أنماط حياتهم ، والارتماء في أحضانهم صماً وعمياً؛ إن هذا والله لشيء عجاب، فاعتبروا يا أولي الألباب، والله الهادي إلى الحق والصواب .

    وهذا هو بيت القصيد من رسالتي هذه، حيث أدهشني ورابني ما قرأته وسمعته هذه الأيام، من الخوض فيما لا علم لكثير من الناس فيه حيث تنازعوا في قضية ( قيادة المرأة للسيارة )؛  ومنه اختلفت آراؤهم وتباينت فيها أقوالهم، حتى انساقوا نحوها وُحداناً وزرافات، والكلٌّ منهم ـ للأسف ـ بحسب مشاربِه ونحلِه، فكانوا عندها طرفين ووسطاً، لذا أردت أن أقف مع هذه الأقوال بشيء من الإيجاز كما أشرنا إليه آنفاً، مع علمي أنَّ في هذا الطرح الوجيز كفايةً ـ إن شاء الله ـ .

    فإذا عُلم هذا؛ فدونك أخي المسلم هذه الأطراف الثلاثة باختصار : –

    * الطرف الأول : الطَّبَّاخون؛ الذين نسجوا خيوطها، وحبكوا فصولها، حيث عصفت بهم الأهواء، وماجت بهم الشهوات، وكأني بهم قد جعلوا من هذه القضية قنبلة موقوتة إلى أجل مسمَّى، حتى إذا جاءت أشراطها، وتقارب انفجارها؛ أذكوا نارها، وأشعلوا فتيلها، وطبَّلوا حولها … واللبيب يعلم من وراء الأكمة ! والله محيط بالظالمين ! .

    فهذه الصحف، والمجلات دليل لكل ذي عين : أنَّ القوم لم يبرحوا يطبِّلون بأقلامهم على جراح الإسلام، ويتراقصون على أعواد الإجرام، ويتغنون على أنغام الألغام، ويتحلَّقون بأفكارهم كخفافيش الظلام؛ في أجواء مظلمة بعضها فوق بعض … !! .

    وهذا منهم ليس بعجيب لو أنه وقع من عدوٍ متربصٍ بهذا البلد المسلم المحافظ، الذي هو آخر معقل للإسلام كما كان أوَّلَه؛ الذي لم يزل أعداء الإسلام يتربَّصون به الدوائر؛ ليقضوا عليه ما أمكن إلى ذلك سبيلاً ـ عياذاً بالله ـ .

    ولكن من المؤسف، والعجب العجاب؛ أنهم من قومنا، ومن أبنا جلدتنا ممن يتكلمون بألسنتنا، ويستظلون برايتنا؛ قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى ساحات الرذيلة، وصاروا كما قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في نونيته :

هَربوا من الرِّقِّ الذي خُلقوا له    وبُـلو بـرقِّ النَّفسِ والشيطـانِ

    وظن هؤلاء أن دول الكفر وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تقدم مادي، واقتصادي، وحضاري بسبب تحررهم هذا التحرُّر !؛ الذي قادت المرأة فيه السيارة، وأشعلت بينهم السجارة، وشاركت الرجل في الميدان، وانكشف منها الوجه والعينان، والنحر والقدمان !!، وهذا كلُّه باسم مشاركة ” المرأة في العمل “؛ نعم هذا ما يريده أنصار المرأة من عمل ! .   

    فهذه البلاد التي أخرجت نساءها إلى ميدان الحياة – زعماً – لمشاركة الرجل في العمل .

     هل جنت حقاً التقدم، والرخاء، والحضارة ؟ .

     أو زالت العقد النفسية ؟ .

   نعم لقد خالطت المرأة الرجال، وظهر الفساد في البر والبحر، ولم يجنوا سوى الثمار المريرة !.

    وما ذلك إلاَّ لجهلهم بحقيقة واقع الغرب ـ وما أظنهم يجهلون ـ .

    أو جهلهم بأحكام الشريعة، وأدلتها الأثرية والنظرية، وما تنطوي عليه من حِكَم وأسرار تتضمن مصالح الخلق في معاشهم، ومعادهم، ودفع المفاسد عنهم ظاهراً وباطناً علمها من علمها، وجهلها من جهلها … ـ ولا أشك أنهم يجهلون ـ !.

    وحقيقة دعوتهم أنهم يريدون أن يزجوا بالمرأة المسلمة الطاهرة العفيفة بنت الجزيرة؛ إلى هاوية الجحيم والشقاء تحت شعار ( قيادة المرأة للسيارة)، حتى يدفعوها إلى الشوارع والطرقات, وميادين المسابقات لا سيما عند فساد أكثر أهل هذا الزمان ..!

    فهؤلاء لما عَجِزوا وخُذلوا ـ ولله الحمد ـ من دعوة المرأة إلى ( كشف وجهها ) ، في هذه البلاد الطاهرة؛ قاموا يتباكون كالتماسيح، ويتلونون كالأفاعي نافثين سمومهم في جسد الأمة الإسلامية، ونادوا في كلِّ وادي ونادي أنهم لم يألوا جهداً ولم يدخروا وُسعاً في نصرة المرأة ـ الضحيَّة ـ حيث زعموا أن قضيَّة ( قيادة المرأة للسيارة )؛ من أهمِّ القضايا؛ لذا كانت همَّهم وهجيرَهم؛ حيث قاموا متسارعين في مناصرة هذه القضية إخلاصاً ووفاءً لحق المرأة المظلومة، والأخت الحميمة، بألسنة رحيمة، وقلوب وخيمة..! 

     فأقول : ما هذا الولع بقضيَّة المرأة، والتباكي من أجل حجابها، وسفورها، وحريتها، كأنما قد قمتم بكلِّ واجبٍ للأمة عليكم في أنفسكم؛ فلم يبق إلاَّ أن تفيضوا من تلك النعم على غيركم، هذِّبوا رجالَكم قبل أن تهذبوا نسائكم، فإن عجزتم عن الرجال فأنتم عن النساء أعجز، فدعوا هذا الباب مؤصداً، فإنكم إن فتحتموه فتحتم على أنفسكم ويلاً عظيماً، وشقاءً طويلاً، إنكم ـ والله ـ تكلِّفون المرأة ما تعـلمون أنكم تعجزون عنه، وتطلبون عندها ما لا تعرفونه عند أنفسكم، فأنتم تخاطرون بها في معركة الحياة مخاطرةً لا تعلمون أتربحونها من بعدها أم تخسرونها، وما أحسبكم إلاَّ خاسرين، فالمرأة عندنا لم تشتكِ إليكم ظلماً، ولا تقدمت إليكم في أن تحلُّوا قيدَها وتطلقوها من أسرها، فماذا تريدون  ؟ .

    لقد كنَّا وكانت العفَّةُ في سقاء من حجاب موكوء، فما زلتم به تثقبون في جوانبه كل يوم ثقباً، والعفةُ تسيل منه قطرةً قطرة، فماذا تريدون  ؟ .

    عاشت المرأة في هذه البلاد دهرها هادئة مطمئنة في بيتها راضية عن نفسها، وعن عيشها، ترى السعادةَ كلَّ السعادة في واجبٍ تؤديه لنفسها، أو وقفة تقفها بين يدي ربها، أو عطفة تعطفها على ولدها، أو جلسة تجلسها إلى جارتها تبثها ذات نفسها، وتستبثها سريرة قلبها، وترى الشَّرف كلَّ الشَّرف في خضوعها لأبيها، وائتمارها بأمر زوجها لأنه زوجها؛ كما تحبُّ ولدها لأنه ولدها، فماذا تريدون  ؟.

    فإن للمرأة عندنا أعمالاً كثيرةً ليست بأقل أهمية من أعمال الرجل، ولا بالأدنى منه فائدة، فالرجل إن كان يسعى، ويكد، ويشقى، ويتعب، ويشتغل ليحصل على رزقه ورزق عياله .. 

    فالمرأة ـ أيضاً ـ نجدها تربي له أولاده، وتلاحظ له خدمه، وترتب له بيته، وتنظف له فرشه، وتجهز له أكله، وتحفظ عينه عن المحارم، وهو يسكن  إليها، فهي إذاً مربية ومدرسة ومعلمة، فمن ذا الذي يستطيع منكم أن يقوم بعملها أو بعضه ؟ .

    بل إذا كانت المرأة نصف المجتمع ـ كما تزعمون ـ فهي أيضاً تلد النصف الآخر، فحينئذٍ تكون المرأةُ عندنا المجتمعَ كلَّه ! . 

المرأة عند غير المسلمين

    يجدر بنا إذا أردنا أن نبحث عن علاج لتقويم الوضع الذي وصلت إليه المرأة المسلمة في هذا الزمان وقد سقطت صريعة التبرج الجاهل المعاصر : أن نعود إلى الماضي البعيد لنتتبع وضع المرأة في “الجاهلية الأولى ” عند عرب الجاهلية، بل عند الأمم الأخرى التي انفصلت عن هدي الرسالات الإلهية؛ لندرك أن هناك ” إجماعاً عالمياً ” قد تجاوز حدود الزمان، والمكان على ظلم المرأة وتجريدها من كافة حقوقها الإنسانية .

    ثم إذا نحن تأملنا كيف حرر الإسلام المرأة، ورفع شأنها، وكرَّمها  قرآناً، وسنةً، وقلَّبنا صفحات التاريخ لندرس ” سيرة المرأة المسلمة ” وكيف تأثرت بالإسلام مؤمنةً عابدةً، وانفعلت به مجاهدةً صابرةً؛ ثم كيف أثَّرت في الإسلام أمَّا، وبنتاً، وزوجةً، وعالمةً .

     عند ذلك نستطيع أن ندرك :

  • زيف الدعاوى التي يروجها أعداء المرأة المسلمة حول ” وضع المرأة في الإسلام ” ! .
  • وحقيقة المهانة التي تعرضت لها المرأة عند غير المسلمين وتتعرض لها الآن مما لا يحس به إلا سليم الحس، والبصيرة، والذوق .

    وعند ذلك – أيضا – نستطيع أن نستشعر، ويستشعر معنا أمهاتنا، ونساؤنا، وبناتنا نعمة الإسلام العظيمة، ورحمته التي لا حد لها، وتكريمه للمرأة المسلمة، فنرفع عقيرتنا نهتف بها قائلين : ” أيتها المسلمة لا تبدلي نعمة الله كفراً ” .

    أمَّا وضع المرأة عند الآخرين ـ غير المسلمين ـ فهي باختصار : مخلوقة مجردة من جميع الحقوق الإنسانية، لذا سأكتفي بذكر حقيقة المرأة عند بعضهم خشية الإطالة : ـ

    المرأة عند الرومان :

      لقد لاقت المرأة في العصور الرومانية تحت شعارهم المعروف ” ليس للمرأة روح ” تعذيبها بسكب الزيت الحار على بدنها، وربطها بالأعمدة بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيول ويسرعون بها إلى أقصى سرعة حتى تموت .

    المرأة عند الهنود  

      يذكر ” جوستاف لوبون ” : أن المرأة في الهند تَعدُّ بعلها ممثلاً للآلهة في الأرض، وتُعَدُّ المرأة العَزَب، و المرأة الأيِّم على الخصوص من المنبوذين من المجتمع الهندوسي، والمنبوذ عندهم في رتبة الحيوانات، ومن الأيامى الفتاة التي تفقد زوجها في أوائل عمرها،  فموت الرجل الهندوسي قاصم لظهر زوجته فلا قيام لها بعده، فالمرأة الهندوسية إذا آمت ـ أي فقدت زوجها – ظلت في الحداد بقية حياتها، وعادت لا تعامل كإنسان، وعُدَّ نظرها مصدراً لكلِّ شؤمٍ على ما تنظر إليه، وعدت مدنَّسةً لكل شيء تَمُسُّه وأفضل شيء لها أن تقذف نفسها في النار التي يحرق بها جثمان زوجها، وإلا لقيت الهوان الذي يفوق عذاب النار  .

  المرأة عند الأمم النصرانية :

      لقد هال رجال النصرانية الأوائل ما رأوا في المجتمع الروماني من انتشار الفواحش، والمنكرات وما آل إليه المجتمع من انحلال خُلقي شنيع؛ فاعتبروا المرأة مسئولة عن هذا كله؛ لأنها كانت تخرج إلى المجتمعات، وتتمتع بما تشاء من اللهو، وتختلط بمن تشاء من الرجال كما تشاء؛ فقرَّروا أن الزواج دنس يجب الابتعاد عنه، وأن العَزَبَ أكرم عند الله من المتزوج، وأعلنوا أنها باب الشيطان، وأن العلاقة بالمرأة رجس في ذاتها، وأن السمو لا يتحقق إلا بالبعد عن الزواج . 

    قال : ” ترتوليان ” الملقب بالقديس : أنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، ناقضة لنواميس الله، مشوهة للرجل .

    وعقد الفرنسيون في عام (586م ) مؤتمر للبحث : هل تُعَدُّ المرأة إنسان، أم غير إنسان ؟

    وهل لها روح أو ليس لها روح ؟، وإذا كانت لها روح فهل هي روح حيوانية أو إنسانية ؟، وإذا كانت روحاً إنسانية؛ فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها ؟، وأخيراً قرَّروا إنها إنسان ولكنها خُلقت لخدمة الرجل  فحسب .

    ومن أساسيات النصرانية المحرفة التنفير من المرأة وإن كانت زوجة، واحتقار وترذيل الصلة الزوجية؛ وإن كانت حلالاً؛ حتى بالنسبة لغير الرهبان يقول أحد رجال الكنيسة ” بونا فنتور” الملقب بالقديس : إذا رأيتم المرأة، فلا تحسبوا أنكم ترون كائناً بشرياً، بل ولا كائناً وحشياً، وإنما الذي ترون هو الشيطان بذاته، والذي تسمعون به هو صفير الثعبان .

    فهذه لمحة خاطفة عن حال المرأة في عصر الحضارة المسماة حضارة القرن العشرين، عصر المساواة، وما هي بمساواة المرأة بالرجل، وإنما هي مساواة الإنسان بأخيه الحيوان ! .

    وأحسن الشاعر : 

إيهِ عصرَ العشرين ظنَّوك عصراً     نَيِّرَ الوجـهِ مُسْعِدَ الإنسان

لست ( نوراً ) بل أنت ( نارٌ ) وظلمٌ    مُذ جعلتَ الإنسانَ  كالحيوان

    أما إذا أردت أن تسأل عن المرأة في الإسلام : فنورٌ على نورٍ، ولا أبالغ حينما أقول : لو أن أحداً أراد أن يكتب عن حقوق المرأة في الإسلام ومكانتها بين المسلمين؛ لنفدت بحور الحبر، وانثنت رؤوس الأقلام، وامتلأت صحفٌ وأوراق، وانقضت أزمانٌ وأزمان … وهو بعدُ لم يفِ بجميع ما لها من حقوق في الإسلام .

    فالمرأة المسلمة إذن : نورٌ، وحياءٌ، وأدبٌ، وعفاف، وطهرٌ، وجمالٌ … 

    كما أنها في بيتها وعند زوجها : مخدومةٌ، مكرَّمةٌ، عزيزةٌ، محترمةٌ، مقدَّرةٌ، محفوظةٌ، مرعيَّةٌ، ومحبوبةٌ …

    فإني أقول لهؤلاء : رفقاً بالقواير!،  إنَّ هذه الدعوة السافرة ” شنشنة نعرفها من أخزم “، وهل ( قيادة المرأة للسيارة ) إلاَّ دعوة مكشوفة لـ “(كشف وجه المرأة )؟، وهل بعد هذا إلاَّ طريق السفور والفجور الناتج من الاختلاط الذي ترمون إليه ؟، وكما قيل ( السفور مطيَّة الفجور ) ولا شكَّ! .

    فإن بداية السفور إنما بدأ أولاً بـ ( كشف الوجه )؛الذي تولَّى كِبْره الأشقياء : هدى شعراوي، وسعد زغلول، وقاسم أمين، ورفاعة الطهطاوي وغيرهم، وعند الله تجتمع الخصوم .

    فمن كشفت عن وجهها اليوم من الفتيات ستكشف غداً ـ في الأعمِّ الأغلب ـ عن رأسها، وصدرها، وساقيها، ولا يجادل في هذا ولا يُسَلِّمُه إلاَّ مغرورٌ مخدوعٌ، أو مظلِّلٌ مغرِّرٌ مخادعٌ يعمل لحساب أعداء المرأة المسلمة لاسيما بنت الجزيرة؛ التي جعلوا من أهدافهم القضاء على الإسلام عقيدةً، وبيتاً، ومجتمعاً، ودولةً … وبناء على هذا فإن اليد التي تحاول أن تدفع المرأة السعودية اليوم ( لقيادة السيارة )، هي اليد نفسها التي تحاول أن تحسر الحجاب عن وجه فتياتنا؛ ينبغي الضرب عليها .

إنا نناشدكم بالله – تعالى – … أن تتركوا تلك البقية من نساء الأمة آمنات مطمئنات في بيوتهن، ولا تزعجونهن بأحلامكم وآمالكم كما أزعجتم من قبلهن، فكلُّ جرحٍ من جروح الأمة له دواء إلاَّ جرح الشرف؛ فإن أبيتم إلا أن تفعلوا فانظروا بأنفسكم قليلاً ريثما تنتزع الأيام من صدوركم هذه الغيرة التي ورثتموها عن آبائكم، وأجدادكم لتستطيعوا أن تعيشوا في  حياتكم سعداء آمين  .

    أفلا يكفي الاعتبار، والاتعاظ من جميع البلاد التي قادت فيها المرأة السيارة ؟، وأن يكون دليلاً واضحاً ـ فاضحاً ـ لكلِّ عاقلٍ ؟؛ حيث وصلت بهم الفضائح، والمساويْ مبلغاً يستحي من ذكره اللبيب !!، فهل من رجلٍ رشيد ؟ .

    ولو نظرنا إلى المرأة الأوربية ، لوجدنا الأمر يرجع إلى حاجة أوربَّة للأيدي العاملة بسبب ظروف حياتها؛ لا سيما ما ارتكبته الحرب العالمية الأولى؛ من إبادة عشرة ملايين رجل في ساحة القتال غير النساء والأطفال؛ حيث وجدت ملايين الأسر بلا عائلٍ؛ إما أن عائلها قد قتل في الحرب أو شُوِّه بدرجة تُعجزه عن العمل، أو فقد عقلَه، وأعصابَه بفعل الحياة الدائمة في الخنادق، والغازات السَّامة هذا من ناحية .

    ومن ناحية أخرى؛ فإن الذين خرجوا من الشباب قادرين على العمل لم يكونوا كلهم على الاستعداد لأن يتزوجوا، أو ليكونوا أسرةً؛ وإنما راحوا يعيشون حياتهم على هواهم، فلا بأس بالمرأة صديقةً تستجيبُ للرغبة اللاهفة، أو جسداً يشترى بالنقود، ولكن لا مرحباً بها زوجاً، وأمَّ ولدٍ… .     

    لهذا أصبحت المرأة عندهم تعتبر من متاع الحياة، فحاجتهم إليها ساعة، وغناهم عنها ساعات؛ أمَّا الحسرة، والندامة فهاجسٌ يطاردها في كلِّ مكان حتى إذا بلغت سنَّ القانون؛ فحينئذ لا أب رحيم يشفق عليها، ولا أخ غيور يدافع عنها، ولا قريب يسأل عنها؛ لهذا خرجت للبحث عن كسب عيشها مسعورة، فخرجت النساء هناك لمساعدة الرجال على الكسب، والتعمير، فلمَّا ابتذلت المرأة هنالك أعرض الشباب عن الزواج، فاضطرَّت المرأة أن تستمر في العمل لتعيش؛ لا لتعمل وتبني مجتمعاً وحضارةً ـ كما يزعمون ـ كلاَّ بل لتعيش!؛ ولو على حساب عفتها وحيائها…! .

    لذا لن أتكلف الرد على أهل الطرف الأول، أو حتى الحديث إليهم !، فحسبي فيهم قول الله تعالى : { إن الذين يحبون أن تشيعَ الفاحشةُ في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرةِ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون } النور الآية 19.

    وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من دعا إلى هدىً كان له من الأجرِ مثلُ أجور من تبعهُ لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعهُ لا ينقصُ ذلك من آثامهم شيئا ) رواه مسلم. 

    وفي ما ذكرناه من كلامٍ كفايةٌ وغُنيةٌ لردِّ عادية الجاهلين الذين يصطادون في الماء العكر، ممن طاروا في غير فضائهم، وحاموا في غير حماهم، وإني أكرر تذكيري لهؤلاء القوم قائلاً : ” على رسلكم إنها صفية ” !؛ فلا تذهب بكم الظنون والشكوك أن أهل العلم في هذه البلاد في غفلة عمَّا أنتم فيه !، كلاَّ فالكل على علمٍ وإدراك بكل ما يمسُّ الأخلاق الشرعية، والآداب المرعية في هذه البلاد الإسلامية – حفظها الله – من كل عدو متربص آمين .   

    * الطرف الثاني : الذوَّاقون؛ الذين ألفوا ـ دائماً ـ الحديث عن كلِّ قضيةٍ يطبخها، أو يقدمها الطباخون !، وليس لهم من وراء هذا ـ للأسف ـ إلاَّ دراهم معدودة ، أو نشر أسمائهم على الملأ في قائمة المثقفين !، ليقال عنهم : صانعوا الأحداث، ومحرِّروا الأفكار، ومنظِّروا القضايا ! .      

    وهؤلاء في الحقيقة ليس لهم نصيبٌ من القضية إلاَّ أن هنالك ثمة خطوط عريضة تملى عليهم، وخانات تعرض عليهم بطريقة أو أخرى، لذا نجدهم يركضون في سراديب محكومة، وأُطُرٍ محدودة؛ يحسبون أنهم على شيْ، وما علموا ـ المساكين ـ أنهم بمنأى عن حقيقة الخلطة السرِّية التي لا يعلمها إلاَّ الطباخون !! .

    فلا  شك أن هؤلاء الذين يحكِّمون أذواقهم في مثل هذه القضايا المصيرية؛ يعيشون في منأى وبعد عن حقيقة الخلطة السِّرية؛ حيث استهواهم الحديث عن ( قيادة المرأة للسيارة )، ونظروا إليها بقصور نظر، وقلة علم ،وغفلة عن الشبكة العنكبوتية ـ العلمانية ـ التي لا يقع في حبالها ـ غالباً ـ إلاَّ أضعف الحشرات نظراً، وأوهاها قوةً، حيث قاموا – للأسف – يتسابقون في كلِّ درب، ويتراهنون رجماً بالغيب؛ على قضية ( قيادة المرأة للسيارة ) بجميع طبقاتهم الفكرية، والثقافية، والذوقية !، فكأن هذه القضية أصبحت لديهم حقاً مشاعاً لكل من هبَّ ودبَّ، أو قضيةً تحكمها الأذواق، والأهواء، والعادات فحسب، وهو ما يسمونه ( استطلاع الرأي العام ) تغليفاً للباطل بأسماء، وعبارات مفخمة ـ ملغمة ـ يحسبها الظمآن ماءاً حتى إذا جاءها وجدها سراباً، وهذا ـ الاستطلاع العام ـ هو في الحقيقة ( ديمقراطيةٌ ) أي حكم الشعب بالشعب، لا شريعة الربِّ !، لذا ألبسوها لبوس الظآن، ومرَّروها على الصُّمِّ والعميان ! .

     وصدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حينما قال : ” سيأتي على الناس سنواتٌ خدَّعاتٌ، يصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويكذَّبُ فيها الصَّادقُ، ويؤتمنُ فيها الخائنُ، ويخوَّنُ فيها الأمينُ، وينطقُ فيها الرُّويبضةُ . قيل : وما الرُّويبضةُ ؟ قال : الرجلُ التَّافهُ يتكلَّمُ في أمور العامةِ ” رواه أحمد، وابن ماجه، والحاكم .

    فإن تعجب فعجب لمن ذهب يُحَكِّم أذواقَه في قضايا الأمة الإسلامية مع فساد لسانه !! .    

    وقد أحسن أبو الطيب المتنبي في قوله :

ومَن يَكُ ذا فمٍّ مُرٍّ مَريضٍ        يجد مُرَّاً به الماءَ الزُّلالا

    وحقيقة ما ذهبت إليه : أن هذه اللقاءات الساخنة؛ لم تزال تُطبَخْ عبر الحوارات الدائرة، والنقاشات الجارية بين الذواقين، والذواقات؛ فهذه امرأة مطلقة تعالج القضية وكأن العصمة بيدها، وهذه طالبةٌ ساذَجةٌ تتكلَّمُ فيها بعاطفتها، وهذا طبيب يعالجها بسماعته الطبية، وهذا شاعر يصفها بشعره الخاسر، وهذا فنَّان يغازلها بطربه الفاتر، وهذا مهندس يحلِّلُها في معمله المبتكر، وهذا مُفكِّر قد فكَّرَ وقدَّر دون مُعتبر، وهذا محرِّرٌ مجهول ذهب يفسِّر كيفما يقول، وهذا بقَّال باع واشترى القضية بريال، والكلُّ لم يبرح يتكلم بالقيل والقال..الخ ، وإلى الله المشتكى، وعليه التكلان . 

    ولو أننا أردنا هذه المسألة وأمثالها ” ديمقراطية ” – عياذاً بالله – فليكن استطلاع الرأي حينئذ على كافة أهل هذه البلاد العزيزة، ولو حصل ـ جدلاً ـ لتجاوزت الأرقام الحسابات، وعلت الأصوات كل مكان؛ حتى أنك لا تجد أهل بيت مَدَرٍ، ولا حَجَرٍ إلاَّ ونادى : بمنع وحرمة (قيادة المرأة للسيارة)، في هذه البلاد، في حين تَخفق أصوات الآخرين، وتتلاشى أرقامهم بين الملايين … فلله الأمرُ من قَبلُ، ومن بَعدُ . 

    ونصيحتي إلى هؤلاء الذواقين بجميع طبقاتهم أن يحفظوا ألسنتهم، وأقلامهم من الخوض في مثل هذه النوازل العظام التي لو عرضت على عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لجمع لها أهل بدر !!.    

    وأذكرهم ـ أيضاً ـ بقول الله تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } الأعراف 33، وقوله تعالى :  { و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كلُّ أولئك كان عنه مسؤولا } الإسراء 36 .

    وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوان الله لا يُلقي لها بالاً؛ يرفعُه الله بها درجاتٍ، وإنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ الله لا يُلقي لها بالا يهوي بها في جهنَّم ) رواه البخاري .

    * القول الوسط : وهم أهل العلم؛ مصابيح الدُّجي، وأعلام الهدى، فكم من قتيل للهوى أَحْيَوه، وكم من ضالٍ هَدَوه، فهم أركان الأمة، وكراسي النظر والاجتهاد، وأهل البر والرشاد، فلا ينظرون في أي قضية إلاَّ بنور من الله، ولا يتكلمون فيها إلاَّ بآية ناطقة أو سنة محكمة، فحسبهم أن الله قد كتب لهم بين الناس القبول؛ على رغم أنوف الطباخين والذواقين وكل جاهل جهول، فعنهم الناس يُصدرون، ومنهم ينهلون، وإليهم ـ بعد الله ـ يفزعون … فلله الأمر من قبلُ ومن بعدُ !! .

    * فليت شعري : هل يظن الطباخون : أنهم سيمرِّرون مخططاتهم، أو يغلِّفون مصطلحاتهم على جماعة المسلمين، وسواد بلاد الحرمين ـ أعزها الله ـ مع وجود أهل العلم الناصحين، وحماة العقيدة المدركين ؟!، فبينكم وما تشتهون بُعد المشرقين قال تعالى : { … وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون } البقرة 11، وقال تعالى : { ولا تحسبن الله غافلاً عمَّا يعمل الظالمون إنَّما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتدُّ إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء } إبراهيم 42-43. 

   * وهل يظن الذواقون ـ أيضاً ـ : أنهم بأمراض أذواقهم، وسخافة أفكارهم، وضيق مداركهم، وسذاجة أنظارهم، وخفة عقولهم , أن يستأنس العقلاء بأراءهم، أو يتكأ الناس على أحكامهم، أو ينظر أحد إلى سواد أقلامهم ؟!،هيهات هيهات!.

    فإننا بقدر ما نعجب منهم؛ فإننا ـ في الوقت نفسه ـ نحزن عليهم، وندعوا لهم بالهداية، والسداد في القول والعمل، وأن يعودوا إلى رشدهم وعقولهم .

    وبعد هذا نجد علمائنا الأجلاء ـ حفظهم الله ـ لم يدعوا مجالاً لأحد ـ كائناً من كان ـ أن يُحَكِّم ذوقه، أو يمرِّر مكره في قضية ( قيادة المرأة للسيارة )، لعلمهم أنَّ هذه القضية من القضايا الحاسمة المصيرية التي قد يترتب عليها مصير أمة لا سيما أهل هذه البلاد – شرفها الله – لذا قاموا بواجبهم الشرعي ـ مأجورين ـ تجاه هذه القضية بكل أمانة وعلم بياناً للحق، وكشفاً للباطل، ورداً لعادية المعتدين ـ الطباخين ـ، ومنعاً لأحكام الغافلين ـ الذواقين ـ، حيث أفتوا بالإجماع على حرمة ومنع ( قيادة المرأة للسيارة )، استناداً منهم – حفظهم الله – على الدليل والتعليل، وهذا الحكم منهم بعد النظر، والجمع بين فقه الواقع، والشرع  .     

    وعلى رأس هؤلاء : الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبد الله بن جبرين، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ بكر أبو زيد، والشيخ عبد الله بن غديان وغيرهم كثير لا يسعهم هذا المقال، قال تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } الأنبياء ( 7 ) .

    فأقول : هؤلاء هم أهل الذكر ـ والله حسيبهم ـ فكيف أيها المسلم، وأيتها المسلمة تذهبان بعد هذا إلى حكم الجاهلين، وتذران حكم العالمين، والله تعالى يقول : { فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون } الأنعام (81 ) .

    فقولا لي بربكما : بأيِّ حجة تلقيان الله تعالى يوم القيامة ؟، هل بسؤال الجاهلين الذين حرَّم الله عليكما سؤالهم، أم بسؤال العالمين الذين أمركما الله بسؤالهم ؟؟! . 

    وبعد هذا كان من العدل والإنصاف أن نذكر بعض الأدلة الشرعية، والقواعد الفقهية المانعة من ( قيادة المرأة للسيارة )، ونذكر ـ أيضاً ـ بعض الشُّبه التي يحوم حولها كثير من الطباخين، والذواقين كما ذكروها في غير موضع من مقالاتهم، ومن ثمَّ نقوم بكشفها، وبيان الحق فيها – إن شاء الله – ربطاً لجوانب الموضوع، واستكمالاً للفائدة، تحت عنوان (كشوف، وزيوف ) .

 

 

 

 

( الباب الثاني )

كشوف، وزيوف

الفصل الأول : الأدلة الشرعية، والقواعد الفقهية الدالة على حرمة قيادة المرأة للسيارة .

الفصل الثاني : كشف الشبه التي أعتمد عليها المبيحون لقيادة المرأة .

    لقد تحدثنا في الباب الأول عن أراء، وأقوال الناس في قضية ( قيادة المرأة للسيارة )، وذكرنا أنهم انقسموا فيها إلى طرفين ووسط، كما يلي :ـ

    الطرف الأول : الطباخون .

    الطرف الثاني : الذواقون .

    الوسط : أهل العلم .

    وهنا نريد أن نذكر بعض الأدلة الشرعية، والقواعد الفقهية، والبراهين العصرية المانعة من (قيادة المرأة للسيارة )، ونذكر ـ أيضاً ـ بعض الشُّبِه التي يحوم حولها كثير من الطباخين، والذواقين كما ذكروها في غير موضع من مقالاتهم، ومن ثمَّ نقوم بكشفها، وبيان الحق فيها ـ إن شاء الله ـ وهذا منَّا ربطاً لجوانب الموضوع، واستكمالاً للفائدة، ودفعاً للظنون، والقالات .

    فأقول وبالله التوفيق : إن قضية ( قيادة المرأة للسيارة ) قد قام الدليل الشرعي، والبرهان الحسي على حُرمَتِها ومنعها، لهذا سأذكر ـ إن شاء الله ـ بعض الأدلة الشرعية والحسية القاطعة بتحريم ومنع المرأة من ( قيادة السيارة )، متجنباً للإطالة؛ لأنني لو تتبعتُ أو استقصيتُ هذه الأدلة؛حصراً وكتابةً لطال بنا المقام، وهي ـ ولله الحمد ـ عندي متوفرة موجودة؛ إلاَّ أنني آثرت الاختصار طلباً للفائدة، ودفعاً للملل والتضجر، مع أن في ذكر بعض هذه الأدلة كفاية، ووفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد ! .

    * الأدلة الشرعية، والقواعد الفقهية :

    أولاً : لا شك أن الأحكام الشرعية لا تخرج في أيِّ مسألةٍ عن الأحكام الخمسة وهي : (الواجب، السنة، الحرام، المكروه، المباح ) .

    فيعود السؤال جذعاً وهو : أيُّ الأحكام الشرعية الخمسة يناط بقضيتنا؟ .

    فالجواب : أن أصل مسألة ( قيادة المرأة للسيارة) الإباحة؛ قياساً على ركوب الدواب آنذاك في الجملة؛ وهذا ولا يعني أنها مباحة على إطلاقها دون نظر أو اعتبار لمقاصد الشريعة التي جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، بل للتفصيل حقٌّ واعتبار .

    وإذا علمنا ـ أيضاً ـ أن المباح ليس من الأحكام الشرعية الأصلية؛ بل دَمْجُه وضَمُّه للأحكام الشرعية الخمسة من باب التوسعة، وإتماماً للقسمة التي مشى عليها أكثر أهل العلم من الأصوليين؛ وبهذا نقول : إن المباح من الأحكام التي قد يتأثر، ويتكيَّف بالأحكام الأخرى؛ خلافاً للأحكام الأربعة؛ فهي أصلية لا تتغير، ولا تتبدل بتغير الزمان أو المكان؛ بل ثابتةٌ وراسيةٌ مثل الجبال الرواسي؛ لأنها مستمدة من الوحيين – الكتاب والسنة – .

    فإذا علم هذا نجد ( المباح ) أسهلها تناولاً حيث يتنازعه، ويطلبه كلٌّ من الأحكام الأربعة الباقية، فحيناً ينقلب من الإباحة إلى الحرمة؛ وهو ما يسمى بـ ( الحرام لغيره )، ومثاله : بيع السلاح وقت الفتة، أو بيع العنب لمن يُعلم أنه يتخذه خمراً؛ مع العلم أن الأصل في البيع هو الإباحة ! .

    وحيناً ينقلب إلى الوجوب، ومثاله : شراء لباساً لستر العورة بثمن المثل، والماء للوضوء بثمن المثل، وعلى هذا تجري الأحكام الباقية كما لا يخفى، والأمثلة في هذا كثيرة لا تعد ولا تحصى .  

    ومن خلال هذا التقعيد والتأصيل الأصولي؛ يتضح لنا أن حكم الإباحة من باب الوسائل في الأعم الأغلب، والأحكام الأخرى من باب المقاصد قطعاً؛ فإذا كان فعل المباح وسيلةً للحرام فيكون حراماً، وإذا كان وسيلةً للواجب فيكون واجباً، وهكذا في بقية الأحكام .

    فالسؤال الذي يطرح نفسه : هل ( قيادة المرأة للسيارة ) وسيلة للحرام أم لا ؟ .

    وقبل الإجابة عن هذا السؤال : كان من الجدير أن نُحَكِّم الواقع الذي سيكون برهاناً قاطعاً في مسألتنا؛ فعند النظر والتأمل في البلاد ـ الكافرة والمسلمة ـ التي قادت فيها المرأة السيارة، نجد الواقع أكبر شاهد على الحياة الهابطة والعربدة الممقوتة، والانحلال المشين، والعفة الضائعة، والغيرة المعدومة، والجرائم الفاضحة، وقتل الحياء، وكلُّ هذا مع مرور الأيام، أو قلّ تتابع الساعات …

    ولولا الفضيحة؛ لذكرت من الحوادث والقصص ما يندى له الجبين؛ ولا أقول هذا في بلاد الكفر فقط؛ بل في البلاد العربية المجاورة ـ للأسف ـ التي تساقطت في أحضان التبعية، حين زجَّت بفتياتها في غياهب القيادة؛ دون تعقل أو نظر، فآل بهم الحال إلى التبرج، والسفور، والاختلاط الفاضح… ! .

    وجدير بالعاقل أن يسأل أخواتنا الَّلاتي تدافعن على قيادة السيارة كالفراش المبثوث في تلكم البلاد !، أو حتى المسؤولين هنالك عن أنظمة المرور وما يلاقونه من فضائح أخلاقية؛ جرَّاء (قيادة المرأة للسيارة )، فكم عفيفةٍ ذهب شرفها، وكم حرة خُدش حيائها؛ بسبب المواقف المحرجة التي تواجهها أثناء الحوادث المروريَّة؛ فهذا يساومها على عرضها، وذاك ينتهز ضعفها، وأخر يسترق عاطفتها … لا سيما إذا علموا أن المسكينة كارهةٌ لهذا الموقف المحرج؛ الذي لا تريد أن يعلم به وليُّ أمرها، أو زوجها … ! .

    ومن خلال هذا وذاك نستطيع أن نجزم أن ( قيادة المرأة للسيارة ) في هذا الزمان حرامٌ حرام – دون شك – لأنها وإن كانت في الأصل مباحة إلاَّ أنها مفضيةٌ وذريعةٌ للحرام بجميع أنواعه .

    ثانياً : ومن خلال هذه نستنتجُ قاعدةً شرعيةً عظيمةً، أحسبها من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية وهي : ( سدُّ الذرائع )، وبهذه أجمعت الأمة على سدِّ الذرائع المفضية إلى الحرام، وكذلك ما كان مظنَّةً للحرام، ولا نعلم في ذلك خلافاً عند أهل العلم، كالمنع من سبِّ الأصنام عند من يُعلم أنه يَسُبُّ الله تعالى حينئذ، وكحفر الآبار في طرق المسلمين إذ علم وقوعهم فيها، أو ظنَّ ذلك، ومنعه صلى الله عليه وسلم من هدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم خشية المفاسد والشكوك ممَّن هم قريبوا عهدٍ بإسلام، وغير ذلك من الأدلة الشرعية، وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية على سد الذرائع بـ (أربعةٍ وعشرين ) وجهاً، وكذا تلميذه ابن القيم بـ ( تسعةٍ وتسعين ) دليلاً ، وكذا نقل الإجماع عليها الإمام الشاطبي  وغيره من أهل العلم. 

    ولا ننس ـ أيضاً ـ أن المرأة في الأصل مظنَّة الفتنة والشهوات؛ هذا إذا خرجت عن الأحكام الشرعية، أو تنكرت لفطرتها، أو خالفت طبيعتها… !.

    فقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : “ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال بعدي من النساء” متفق عليه .

    وقال ـ أيضاً ـ صلى الله عليه وسلم : ” إن الدنيا حُلوةٌ خَضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون ؟، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء “ رواه مسلم ، وهذا دليل قاطع أن المرأة في الأصل بابٌ للفتنة والمعاصي … ما لم تمتثل بشريعة الرحمن، وتتقيَّد بأهداب الأخلاق الإسلامية، والآداب المرعية … !، لهذا وجب مراعاة تحركاتها، والتريث فيما يتعلق بها من أحكام وأراء سدَّاً لكلِّ ذريعةٍ مفضيةٍ للحرام .

    لهذا اشتهر عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت ترى منع النساء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، من الذهاب إلى المساجد للصلاة، فيما روته عنها عمرة بنت عبد الرحمن : حيث قالت : ” لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما مُنِعهُ نساء بني إسرائيل “، قيل لعمرة أو منعن ؟ قالت : نعم ”  متفق عليه، في حين أنها تعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة، وهو قوله : “لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ” لذا لم ترد بقولها معارضة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بل علمت من كلامه صلى الله عليه وسلم، أنه أراد جواز وإباحة ذهاب النساء للمساجد، لا مطلق الوجوب، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ” وبيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ “، فلما علمت  ـ رضي الله عنها ـ أن هذه الإباحة قد توسع فيها بعض النساء على غير مراد النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها ستفضي للحرام، سارعت بسد الذرائع؛ مظنة الوقوع في المحذور، والله أعلم .

    ثالثاً : العمل بالقاعدة المشهورة ( درء المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح)، وهي من مقاصد الشريعة، وصورتها : أنه إذا اجتمعت المصالح والمفاسد في الشيْء الواحد يجب تقديم درء المفاسد، وتغليب حكمها على جلب المصالح، وهذه القاعدة متفق عليها بين أهل العلم دون خلاف كسابقتها، والأصل فيها قول الله تعالى : { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنَّاس وإثمهما أكبرُ من نفعهما } البقرة 219

    فالله تعالى في هذه الآية وغيرها ذكر لنا أن الخمر مع كونها تشتمل على بعض الفوائد إلاَّ أن الحكمة الإلهية، والمصالح الشرعية تحرِّمُها لأنها تشتمل على المفاسد والإثم أضعاف تلكم الفوائد القليلة، لذا كان الحكم للأغلب لا سيما إذا كان الغالب محرماً ـ عياذاً بالله ـ كما هو حاصلٌ في ( قيادة المرأة للسيارة ) ! .

   ونحن لن نشطط في حكمنا في ( قيادة المرأة للسيارة )، حيث نُسلِّم أن هنالك بعض الفوائد القليلة العائدة على المرأة في قيادتها للسيارة؛ إلاَّ أننا بالنظر إلى ما يترتب عليه من مفاسد نجده أضعافاً مضاعفةً بالنسبة لتلكم المصالح القليلة النسبية التي كنَّا نرجوها، لأن أخطارها ومفاسدها قد بلغت من الكثرة والعموم ما لا ينكره عاقل ممن يستطيع أن يفرقَ بين التمرة والجمرة ! .

  رابعاً : لقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” لا ضرر ولا ضرار” رواه ابن ماجه وغيره، وممَّا لا شك فيه أنَّ ( قيادة المرأة للسيارة )، ضررٌ متحققٌ، وضرارٌ متعدي لا ينكره ذو البصر والبصيرة، ممن يستطيع أن يفهم الخطاب ويرد الجواب ! .  

 خامساً : لقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” إن الحلال بيِّنٌ، والحرام بيِّنٌ، وبينهما أمور مشتبهات؛ لا يعلمها كثيرٌ من الناس، فمن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينِه وعرضِه، ومن وَقَعَ في الشبهات وقَع في الحرام… ” متفق عليه .

    فإذا سلمنا ـ جدلاً ـ أن ( قيادة المرأة للسيارة )؛ من الأمور التي تنازع الناس في كونها من الحرام البيِّن، أو الحلال البيِّن؛ فلا نشك جميعاً أنها إذاً ـ في أقل أحوالها ـ من الأمور المشتبهة؛ والحالة هذه فهي حينئذ حرامٌ، لا سيما أن القائلين بإباحتها من أجهل الناس في حكمها والنظر في دليلها !، هذا مع جهلهم – تجاهلهم –بحال الواقع المرير؛ وإلاَّ عند العدل والإنصاف فالمسألة بيِّنة أنها حرامٌ لا شبهة فيها .

    سادساً : لقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ ” رواه الترمذي وغيره، وهذا الحديث كسابقه دليل على أنَّ الاحتياط تحريم ( قيادة المرأة للسيارة)، ومعناه أنه يرجع إلى الوقوف عند الشبهات واتقائها وتجنبها، فإن الحلال المحض لا يحصل للمؤمن في قلبه منه ريب، بل تسكن إليه النفس، ويطمئن به القلب، وأما الشبهات فيحصل بها للقلوب القلق والاضطراب الموجب للشك، والحالة هذه لاشك أن ( قيادة المرأة للسيارة ) في أقل أحوالها؛ من الأمور المشتبهات التي يترجح تجنبها واتقاءها، والوقوف عندها، مع العلم أنها من القسم الثاني وهو الحرام البيِّن قطعاً !.

    سابعاً : قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : البرُّ حسنُ الخلق، والإثمُ : ما حاك في نفسك، وكرهتَ أن يطَّلع عليه الناس ” رواه مسلم.

    هنا سؤال : من هذا الذي لا يجدُ في نفسه غضاضةً عندما تقوم إحدى محارمه سواء كانت  زوجته، أو أخته، أو ابنته؛ بقيادة السيارة ؟! .

    أفلا يجدُ في نفسه كراهةً حينما يشعرُ أن الناس يعلمون أن إحدى محارمه تقود السيارة؛ لا سيما وهي تجول في الطرقات، وتهبط الأسواق … ؟؟

    والجواب على هذه الأسئلة ليس حقاً مشاعاً لكلِّ من هبَّ ودبَّ !، بل هو حقٌ لمن سَلِمتْ فطرتُه، وظهرتْ غيرتُه، وبان حياؤُه، فمن هذه حالُه فلا شك أن الغضاضةَ، والكراهيةَ يجدها ضرورةً في نفسه، والحياءَ، والخجلَ يعلوهُ طبعاً، وشرعاً …والحالة هذه تكون إذاً ( قيادة المرأة للسيارة ) إثماً، والإثم حرام ، فالحمد لله على نعمة الإسلام، ووجود الحياء بين الأنام .

     * أمَّا الشُّبه التي لم يبرح الطباخون، والذواقون من ذكرها في غير موضع من مقالاتهم، فلا شك أنها كثيرةٌ جداً يعسر حصرها؛ لكنَّها في الجملة واهية، وحسبها أنها شبهٌ قد اشتبهت على من لا علم له، ولا تحقيق ونظر !، لذا أرى أنه ليس من السلامة الوقوف مع كلِّ شبهةٍ ذكرت، أو اختلقت؛ لأن الشُّبه لا تزال تتوارد على أصحابها بحكم ضعف الإيمان، ونزعات الشيطان ـ أعاذنا الله منها ـ .

    فنرى من المناسب أن نقف مع أهم هذه الشبه لا سيما التي كانت محلاً لأنظارهم، ومرجعاً لأوهامهم !.

    الشبهة الأولى : قولهم : إن ( قيادة المرأة للسيارة ) من ضروريات العصر، ومتطلبات الحياة … الخ .

    قلت : إن العصر والحياة ليستا أدلةً قاطعة تتحكمان في حياتنا وشؤوننا؛ بحيث ما أحلَّه العصر، أو ارتضاه أهله يكون لنا حلالاً، وما حرمته الحياة، أو أبغضه الناس يكون لنا حراماً !، بل نحن متعبدون بدينٍ ربَّاني، ومنهجٍ إيماني؛ لا بأذواق الناس، أو متطلباتهم المختلفة، أو أهوائهم المضطربة .

    كما قال الله تعالى : { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } الأنعام 116، وقوله تعالى : { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقومٍ يوقنون } المائدة 50 .

     فهل عسيتم : إذا ظُنَّ أن الشيُ  من ضروريات العصر، ومتطلبات الحياة يكون حلالاً ؟!.

    فقولوا لي بربكم : إذا ظُن أن التبرج من متطلبات الحياة كما هو الحال في كافة بلاد العالمين ـ حاشا بلاد التوحيد ـ سيكون إذاً حلالاً ؟ .

    أو ظُن أن العلاقات الجنسية، التي عمَّت وطمَّت باسم الحرية ـ حاشا بعض بلاد المسلمين ـ سيكون إذاً حلالاً ؟ .

    أو ظن أن الربا الذي ضرب بجذوره في كافة بلاد العالمين باسم الفوائد؛ سيكون إذاً حلالاً ؟.  

    أو ظن أن ( قيادة المرأة للسيارة ) من متطلبات الحياة كما هو الحال في كافة بلاد العالمين ـ حاشا بلاد التوحيد ـ سيكون إذاً حلالاً ؟، { ألا ساء ما يحكمون } النحل (59 ) .

     فلا شك أن في هذه الأقوال جنايةٌ على التشريع الإلهي، ومصادمة لحكم الله تعالى، وكفرٌ بربِّ العالمين { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } المائدة 44 .

      ونحن ـ أيضاً ـ إذا أردنا أن نُحَكِّمَ العصر والحياة ـ جدلاً ـ في ( قيادة المرأة للسيارة)، فهو حجةً لنا لا لهم ، لأننا إذا ما نظرنا إلى ما أفرزته ( قيادة المرأة للسيارة ) في هذا العصر علمنا جميعاً أن الواقع مخزٍ ومشين، بل لولا خشية الإطالة لذكرت ما يطول بنا من القصص، والإحصائيات المخيفة، سواء في دول الكفر أو الإسلام !، والواقع أكبر دليل وأعظم برهان لمن ألقى السمع وهو شهيد .

    الشبهة الثانية : قولهم إن ( قيادة المرأة للسيارة )، في هذه البلاد لن تكون كغيرها من بلاد العالمين، بل يحكمه نظامٌ، و قانونٌ يحفظ لنا نساءنا من الاختلاط والسفور … الخ . 

    قلتُ : إن ( هذه شنشنةٌ نعرفها من أخزم )، فإنَّ ما تدعون إليه مثل الذي يريد منَّا أن ننظر بعينٍ واحدة، ونمشي على رجلٍ واحدة، إن هذا ـ والله ـ هو الفقه الأعوج، والقول الأعرج الذي لم يَعُد له نصيبٌ عند البسطاء فضلاً عن العقلاء …

    وصدق فيكم الشاعر :

ألقاه في اليمِّ مكتوفاً وقال له     إيـاك إيـاك أن تبتلَّ بالماء

    وهل يقول عاقلٌ : أن هذه الحلول المستوردة؛ والآراء المجمدة سيكون لها رصيد في بلادنا المسلمة، وعاداتنا السليمة ؟، كلاَّ إنها أحلام اليقظة، وأمنيات الجهلة … 

    وهل إذا خرجت المرأة السعودية ـ لا قدر الله ـ لقيادة السيارة، نستطيع أن نقول لها حينذاك : عليك بالحجاب الشرعي؛ بحيث لا تكشفين منه إلاَّ قدر العينين ؟، وعدم الالتفات يمنةً أو يسرةً ؟، وإياك أن تصطدمي مع الشباب سواء في حادث مروري أو مكالمة عبر” البوري ” ؟، وإياك أن تخرجي من بيتك إلاَّ للضرورة، والحاجة ؟، وإياك إياك أن تخرجي بليل أو تعبري الطريق الطويل ؟، وإياك إياك أن تقودي السيارة دون مَحْرَمٍ شرعي؟ وإياك أن تراجعي المرور عند حدوث أي مشكلة، وإياك أن تستعيني بالرجال عند حصول أي عطل للسيارة ؟ وإياك أن تدخلي السجن، أو غرفة التوقيف عند أي مخالفة؛ وبالجملة لا تخضعي لأنظمة المرور … الخ، ومن خالفت ذلك منكنَّ سيكون جزاءها ( قسيمة مرورية ) ! .

    وفي المقابل نقول ـ أيضاً ـ للشاب إياك أن تلتفت يمنة أو يسرة؛ تجاه السائقات!، وإياك إياك أن تصطدم بالمرأة سواء في حادث مروري أو مكالمة عبر ” البوري “، وإياك أن تؤذي السائقات بالمطاردات أو المعاكسات لأنها أختك في الله !، وإذا ثقلت عليك هذه القيود فياحبَّذا لو تقود السيارة ومعك محرم من النساء للسلامة … الخ، ومن خالف ذلك سيكون جزاءه (قسيمة مرورية ) ! .

    أقول : إن كانت هذه الحلول من المستحيلات، أو من المضحكات؛ فحينئذ ستكون ( قيادة المرأة للسيارة ) في هذه البلاد المحروسة من المستحيلات، والمضحكات معاً ! .

    ولعلَّ قائلاً يقول : من الممكن أن تقود المرأة السيارة وهي محجبة !.

    أقول : هذا القول فيه تكلف ومكابرة، لأن الواقعَ المحسوسَ شاهدٌ لكل ذي عين؛ أن من قادت السيارة من النساء سوف تكشف وجهها لتحذر عقبات الطرق، ومغبات الحوادث .

    وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر؛ إلاَّ أنه لن يدوم طويلاً، بل سيتحول – في المدى القريب – إلى ما عليه النساء في البلاد الأخرى؛ كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت صغيرة هينة مقبولة بعض الشي؛ ثمَّ ما لبثت أن تدهورت منحدرة إلى هاوية لا قعر لها من المحرمات الكبيرة العظام .

    وهذا كلُّه – سنة التطور – إذا ترك الأمر لاختيار المرأة، وهذا كافٍ؛ إلاَّ أننا نخشى – في المدى البعيد – أن تكون هناك ضغوط قوية تفرض على المرأة أن تكشف وجهها عند قيادتها للسيارة ! . 

    ويوضح ذلك؛ ما ذكرته صحيفة الشرق الأوسط الصادرة في يوم الاثنين 5/3/1419هـ ” أن إدارة المرور في إحدى الدول المجاورة سنت قانوناً يمنع النساء المنقبات من قيادة السيارات.

    وقالت الصحيفة :إن الإدارة العامة للمرور التابعة لوزارة الداخلية سَنَّت القانونَ الجديدَ بقصد تجنب تخفي البعض من النساء، أو الرجال تحت النقاب للقيام بأعمال مخالفة للقانون ومنهم فئة صغار السن من الشباب غير المسموح لهم باستصدار رخص قيادة السيارات حيث يتخفون في زي المنقبات ويقومون بقيادة السيارات مما يؤدي إلى أضرار بالغير في الشارع “.

    نعم هذا الذي تريدون، وإليه ترمون، لأن دعوتكم إلى ( قيادة المرأة للسيارة ) دون كشفها للوجه، أو وجود الاختلاط مناقضة مفضوحة؛ فالقضية ليست حيادية – كما تظنون – بل مفارقة؛ فإما عفاف وحياء، أو فساد واختلاط؛ فما تريدون ؟ ! .

    الشبة الثالثة :قولهم : إن ( قيادة المرأة للسيارة ) خير لها من الخَلوة بالسائق الأجنبي .

    لا شك أن القوم لمَّا غُصُّوا بالأدلة الشرعية، والقواطع البرهانية؛ التي رشقهم بها أهل العلم في هذه البلاد – حفظهم الله – خرجوا يتسابقون كالذي يتخبطه الشيطان من المسِّ؛ يهيمون على  وجوههم في الفيافي والصحاري القافرة؛ باحثين عن جرعةِ ماءٍ ليدفَعوا بها غُصَصَهم، ويَرْووا غلتهم، ويَشفوا عِلتِهم؛ حتى إذا وجدوا ما ظنَّوه ماءً تساقطوا عليه كالذباب، وما علموا أنه “مستنقع آسن” لا يسمن، ولا يغني من جوع، فلما تَجَرَّعُوه ولا يكادون يُسِيغُونه فاحت روائحُهم من تحت ألسنتهم ومن بين أسنانهم؛ وقالوا قولتهم : القيادةُ خيرٌ من الخَلوة !.

    قال تعالى : { كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا } الكهف 5 .

    قلت: إن الرد على هذه الشبهة من وجهين عام وخاص :

  • العام : العمل بالقاعدة المشهورة ” الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ” .

    وصورتها : أن الأمر إذا دار بين ضررين أحدهما أشد من الأخر؛ يجب ارتكاب الضرر الأخف دون ارتكاب الأشد، وهذه منبثقة من القاعدة الفقهية السابقة ” درء المفاسد مقدم على جلب المصالح “، ومتفرعة – أيضاً – عن القاعدة الكلية ” لا ضرر ولا ضرار ” .

   ودليل القاعدة، قوله تعالى : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } الأنعام 108، فلا شك أن مسبة، ومعاداة، وتسفيه معبودات المشركين مقصود شرعي إذا أمن المسلم من سبّهم لله تعالى ؛ أما إذا قابل المشركون سابَّ آلهتهم بسبِّ الله تعالى؛ وجب حينئذ على المسلم المسك عن سبِّ آلهتهم دفعاً للشر الأكبر  وهو سبهم لله تعالى .

وكذا قوله تعالى : { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل } البقرة 217

    فإذا كان من نقمة الكفار على المسلمين من قتال في الشهر الحرام مفسدةٌ، فإنَّ ما هم عليه من الصدِّ عن سبيل الله، والكفر به، وبسبيل هداه، وبالمسجد الحرام، وإخراج أهله منه أكبر عند الله، وأشدُّ ذنباً من القتال في الشهر الحرام  . 

    وكذلك جميع ما وقع في صلح الحديبية من هذا القبيل؛ من التزام تلك الشروط الصعبة التي ظاهرها ضررٌ وخفةٌ على المسلمين؛ ولكن تَبَيَّن في النهاية أنها كانت عينُ المصلحة، وذريعة إلى الفوز بالفتح المبين  .

  • الخاص : فقد رد على هذه الشبهة شيخنا محمد بن صالح العثيمين – حفظة الله – في جوابِ سؤالٍ عُرض عليه وهذا كلامه : فالذي أرى أن كلَّ واحد منهما فيه ضرر، وأحدهما أضر من الثاني من وجه ولكن ليس هناك ضرورة توجب ارتكاب واحد منهما … انتهى .
  • قلت ومن هذه الردود أيضا :

    أولاً : ينبغي أن يعلم : أن الخلوةَ ترتفع بوجود ما يلي :

  1 ـ وجود رجل آخر فأكثر من أهل التقى والصلاح؛ سواء كان محرماً للمرأة أو لا .

  2 ـ وجود امرأة أخرى معها .

    لأن وجود السائق مع المرأة عند وجود رجل آخر، أو وجود امرأة أخرى؛ لا يُعَدُّ خلوةً، لذا نجد – ولله الحمد – أن غالب نساء هذه البلاد لا يركبن مع السائق بمفردهن إلا مع وجود رجل آخر، أو امرأة أخرى، وهذا هو الأصل بغض النظر عن الشَّاذات لأن الحكمَ للأعمِّ الأغلب .

    وهذا يفيدنا أن للمرأة في الإسلام متسعاً وفسحةً عند ركوبها مع السائق الأجنبي؛ إذا وجد رجل، أو امرأة معها .

    إذاً قولكم : ( قيادة المرأة للسيارة ) خيرٌ لها من خلوتها بالسائق الأجنبي، ليس على إطلاقه بل هو خلافُ الأصل المألوف، لأن الخلوةَ التي تقصدونها نادرةٌ وشاذةٌ لا تستحق أن تأخذ حُكمَ الأصل والعموم؛ بحيث تجعلونها في الحُرمةِ تقاوم حُرمة ( قيادة المرأة للسيارة ) .

    ثانياً : لا شك أن خلوة المرأة مع الرجل الأجنبي حرام؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ” ولا يَخلُونَّ أحدُكم بامرأة، فإنَّ الشيطانَ ثالثُهُما….. الحديث ” رواه أحمد، والترمذي، والحاكم، وابن حبان .

    ثالثاً : ومما  ينبغي أن يُعلمَ – أيضا – أن عِلةَ تحريم الخلوة هو خشية الوقوع في الحرام؛ لا سيما مع قوة المقتضى، وضعف المانع، فتكون الخلوة إذاً وسيلةً للحرام لكنها ظنيَّة؛ إلا أن الشريعة الإسلامية حرمتها ومنعتها حسماً للحرام المظنون وقوعه .

  أمَّا بالنظر إلى ( قيادة المرأة للسيارة ) فهي وسيلةٌ قطعيةٌ للحرام؛ حيث لا تخلو المرأة – غالباً – من الوقوع في المحرمات كلها، أو بعضها مثل كشف الوجه، وما تلاقيه من الإيذاء في الطرقات، والأسواق، ونزع الحياء منها، والحياء من الإيمان، وسبب لكثرة خروجها من البيت، والبيت خيرٌ لها، وفتح الباب على مصراعيه لها بحيث تخرج متى شاءت، وإلى من شاءت، وحيث شاءت، وتمردها على زوجها، وأهلها؛ فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب لسيارتها إلى حيث ترى …! وكذا مطالبتها بصورتها في رخصة القيادة للتحقق من هويتها .

وكما أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة :

  • في الوقوف عند إشارات الطريق .
  • في الوقوف عند نقطة التفتيش .
  • في الوقوف لملْ إطار السيارة بالهواء ” البنشر ” .
  • في الوقوف عند محطات البنزين .
  • في الوقوف عند رجال المرور عند التحقيق في مخالفة أو حادث .
  • في الوقوف عند خلل يقع بالسيارة أثناء الطريق فتحتاج المرأة إلى إسعافها، فماذا تكون حالتها ربما تصادف رجلا سافلاً يسومها على عرضها في تخليصها من محنتها، لا سيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة، وغير ذلك مما ذكرناه .

    فأقول : إذا كانت ” الخلوةُ ” وسيلةً ظنيةً للحرام، و ( قيادةُ المرأة للسيارة ) وسيلةً قطعيةً للحرام وجب إذاً تقديم ما كان قطعياً على الظَّني عند تعارضهما؛ كما هو معلوم عند أهل العلم من الفقهاء، والأصوليين؛ مع العلم أن كلاهما حرام؛ لكن عند تزاحم المفاسد يقدم ما كان أقلها فساداً جرياً للقاعدة المشهورة ” الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف “.

    وبعد هذا فإني أحذر المتهاونين من الطباخين، والذواقين الولوغ في مسألة ( قيادة المرأة للسيارة )، التي لن نجنيَ عند وجودها  ـ لا قدر الله ـ إلاَّ الفتنَ، والسفورَ، والاختلاط؛ ولات حين مناص، كما هو الحال في كافة البلاد التي دفعت نسائها إلى قيادة السيارة .

    وذلك أن الفتن إنما يُعرف ما فيها من الشرِّ إذا أدبرت، فأمَّا إذا أقبلت فإنها تُزيَّن، ويُظنّ أنَّ فيها خيراً فإذا ذاق الناس ما فيها من الشَّرِّ، والمرارةِ، والبلاءِ صار ذلك مبيِّناً لهم مضرتها، وواعظاً لهم أن يعودوا لمثلها .

    كما أنشد بعضهم :

الحربُ أوَّلُ مـا تكونُ فَتَيَّـةً      تسعى بزينتِها لـكلِّ جَهولِ

حتى إذا اشتعلت وشَبَّ ضِرامُها    ولَّتْ عجوزاً غيرَ ذاتِ حليلِ

شمطـاءَ يُنـكرُ لونُها وتغَّيرت     مكروهةً لـلشَّمِّ والتَّقبيـلِ

    وأكرر قولي ونصحي : أن الذين دخلوا في قضية ( قيادة المرأة للسيارة ) من الطباخين، والذواقين لم يعرفوا ما فيها من الشرِّ، ولا عرفوا مرارةَ الفتنةِ حتى إذا وقعت ـ عياذاً بالله ـ صارت عبرةً لهم ولغيرهم، ومن استقرأ حال هذه الفتنة التي لم تزل تجري في بلاد المسلمين ـ خاصة ـ يتبيَّن له أنه ما دخل فيها أحدٌ فحمد عاقبة دخوله فيها؛ لما يحصل له من الضرر في دينه ودنياه، ولهذا كانت من باب المنهي عنه شرعاً، والإمساك عنها من المأمور الذي قال الله فيه  { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } النور 63 .

    ولولا خشية الإطالة لذكرت من منظومة الشُّبهِ التي يختلقها أصحابها العددَ الكثير؛ لكنَّها ـ ولله الحمد ـ شبهٌ واهيةٌ لا تستحق أكثر من قولنا لهم : ( رفقاً بالقوارير ) ! .

    وكذا نذكرهم بقول الله تعالى : { واتقوا فتنةً لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديدُ العقاب } الأنفال 25 ، وبهذا نكتفي بما أجراه القلم بصدد ( قيادة المرأة للسيارة).

    فأستودعكم الله ـ تعالى ـ في السِّرِّ والعلن، وأسألُه ـ تعالى ـ أن يحفظ بلادَنا، وبلادَ المسلمين من كلِّ سوء، وأن يَعصمَ نساءَ المسلمين من الفتنِ ما ظهر منها، وما بَطن آمين .

والصلاة والسلام على محمد المختار، وعلى آله الأطهار، وصحبه الأبرار .

 

*    *    *    *    *

 

 

 

Bir yanıt yazın

E-posta adresiniz yayınlanmayacak. Gerekli alanlar * ile işaretlenmişlerdir

Bu site, istenmeyenleri azaltmak için Akismet kullanıyor. Yorum verilerinizin nasıl işlendiği hakkında daha fazla bilgi edinin.